تعود صناعة الحرير في سوريا إلى القرن الأول الميلادي، حيث بدأت في مدينة تدمر باستخدام تقنيات نسج محلية، حتى لو استُوردت الخيوط من الخارج آنذاك . وفي العصر الإسلامي، ازدهرت الصناعة بشكل لافت، خاصة في دمشق التي أصبحت مركزاً لنسج الأقمشة الفاخرة مثل الديباج، الذي استُخدم في كسوة الكعبة وتغطية المباني الدينية، مما يعكس أهميته الدينية والسياسية . خلال القرن التاسع عشر، شكَّلت صادرات الحرير السوري (خاصة الشرانق) ما يقارب 30% من صادرات الموانئ السورية و70% من ميناء بيروت، مدعومةً بالطلب الفرنسي لصناعة النسيج في مدينة ليون ما ساهم في تعزيز النفوذ الفرنسي لاحقاً في المنطقة .التطورات التقنية والتحدياتفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أدخلت عائلات مثل "مزنر" في دمشق أنوالاً ميكانيكية من ليون، مما حوَّل ورشهم إلى مصانع حديثة. كما برزت عائلات أخرى في تصميم البروكار الدمشقي، الذي تميز بنقوش مستوحاة من التراث مثل "العاشق والمعشوق" و"السبع ملوك"، والتي نُسجت لملوك أوروبا مثل الملكة إليزابيث الثانية . لكن الصناعة واجهت تحديات كبيرة، منها: الأزمات العالمية: مثل الكساد الكبير في الثلاثينيات، الذي أفقد الكثيرين مصدر رزقهم . الاحتكار الحكومي: بعد تأميم مصانع الحرير في الستينيات، مما أضعف القطاع الخاص وأدى إلى انخفاض الإنتاج من 360 طنًا عام 1970 إلى 2 طن فقط عام 2009 . المنافسة الخارجية: مع ظهور الحرير الصناعي وفتح قناة السويس، الذي سهَّل وصول الحرير الآسيوي .مكونات الصناعة التقليدية اعتمدت صناعة الحرير على سلسلة معقدة من الحرف المتداخلة: تربية دود القز: تتطلب عناية فائقة، حيث تنام العائلات في الهواء الطلق لتوفير الغرف للديدان الحساسة للمبيدات والعطور . حل الشرانق: عملية يدوية لاستخراج خيوط بطول 500-1500 متر من كل شرنقة . النسج: باستخدام أنوال أرضية تقليدية، حيث يتولى الرجال النول بينما تتخصص النساء في التطريز والكروشيه . التصميم والصباغة: مثل نقشات البروكار المعقدة التي تُنقل عبر الأجيال، وصباغة الخيوط بمواد طبيعية كالصمغ والسكر .4. الوضع الحالي: بين الاندثار والاستمرار يةاليوم، تواجه الصناعة تراجعاً حاداً بسبب: تراجع الزراعة: اقتلاع أشجار التوت (الغذاء الوحيد لدود القز) لصالح محاصيل أخرى أو للتدفئة أثناء الأزمات . الافتقاد للآلات والأدوات: تسببت الحرب بتدمير البنية التحتية واللوجستية لهذه الصناعة كما كل الصناعات الاخرى في البلاد.ضعف الدعم الحكومي: تراجع الاهتمام الحكومي بهذه الصناعة عبر الأجيال بشكل غير مبرر. ندرة السياحة: التي كانت السوق الرئيسي للمنتجات الفاخرة مثل الشالات الحريرية . رغم ذلك، ما زالت عائلات قليلة تحافظ على الحرفة، مثل عائلة سعود في دير ماما، التي أنشأت متحفاً لتوثيق مراحل الإنتاج .مقترحات للإحياء والتحديات المستقبلية إعادة زراعة التوت : كخطوة أساسية لإحياء تربية الدود.التسويق الدولي: عبر المشاركة في معارض عالمية مثل معرض الحرير في ليون، والتعاون مع مصممي أزياء دوليين . دعم الحرفيين: عبر توفير قروض وتدريب الشباب على تقنيات النسج التقليدية . تعزيز السياحة الثقافية: كزيارة متاحف الحرير وورش العمل الحية .صناعة الحرير في سوريا ليست مجرد حرفة، بل هي جزء من الهوية الثقافية التي تجسد تفاعل التاريخ والسياسة والاقتصاد، رغم التحديات، تبقى مبادرات الأفراد والمجتمعات المحلية شمعة أمل للحفاظ على هذا الإرث. إن إنقاذه يتطلب جهوداً متكاملة تعيد الاعتبار لـ"ملك الألياف" الذي لطالما جسّد روعة الحضارة السورية .