يتجه الجيش الإسرائيلي نحو اجتياح لبنان من جنوبه بحثاً عن أنفاق حزب الله وملاحقة مقاتليه، في تصعيد جديد عقب غارات جوية أصابت وقتلت قادة الصف الأول من الحزب المدعوم إيرانياً، وعلى رأسهم زعيم الحزب، حسن نصر الله، بينما يرى خبراء أن تكراراً لسيناريو غزة هو القادم جنوب لبنان.
مقتل نصر الله، الذي كان يعتبر من أقوى الشخصيات العسكرية والسياسية في المنطقة لعدة عقود، يُعد نقطة تحول في الصراع القائم بين إسرائيل وحزب الله. وعلى الرغم من المخاوف من رد فعل إيراني حاسم، يبدو أن إيران تتجنب المواجهة المباشرة في الوقت الراهن، بينما باتت إسرائيل تستعرض قوتها أكثر بعد ضرب الحوثيين باليمن وتتوعد الميليشيات بالعراق وسوريا، فيما يطرح محللون وخبراء سيناريوهات عديدة للمشهد منها ما قد يوصف بـ"السيناريو المجنون" الذي يرى أن قوات إسرائيل قد لا تكتفي بالوصول إلى حدود بيروت إنما قد تصل إلى حدود دمشق أيضاً.
الاختراقات الأمنية لحزب الله
تُظهر حادثة تفجير أجهزة البيجر، التي أودت بحياة العشرات، حجم الاختراق الذي تعرض له الحزب، حيث تبين أن إسرائيل تمكنت من زرع أجهزة تفجيرية داخل أجهزة الاتصالات الخاصة بالحزب.
وفقاً لتحليل الدكتور أيمن سلامة، خبير القانون الدولي والمحلل الاستراتيجي، فإن هذه الاختراقات تشير إلى هشاشة بنية حزب الله الأمنية، وأن الحزب بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة تنظيمية وأمنية شاملة.
"سلامة" يوضح أن الحزب مطالب اليوم بتطبيق آليات صارمة للمحاسبة والانضباط الداخلي، من أجل منع تكرار مثل هذه الاختراقات. كما يشير إلى أن حزب الله بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الدول وأجهزة الاستخبارات في العالم التي نجحت في منع الاختراقات الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، يرى أن الحزب قد يواجه ضغوطات كبيرة داخلياً وخارجياً بعد مقتل زعيمه، الأمر الذي قد يؤثر على تماسكه الداخلي.
ويتوقع أن العلاقات بين الحزب والدولة اللبنانية ستصبح أكثر تعقيداً بعد هذه العملية، حيث قد تتغير التوازنات السياسية والعسكرية في لبنان بشكل لم يسبق له مثيل منذ انفصال الحزب عن حركة أمل.
مستقبل حزب الله بعد مقتل قادته
رغم أن مقتل نصر الله يُعد ضربة كبيرة للحزب، إلا أن "طارق شندب"، الخبير السياسي اللبناني، يؤكد أن الحزب لن ينتهي بوفاة زعيمه.
حزب الله، بحسب شندب، ليس مجرد تنظيم سياسي أو عسكري عادي، بل هو فصيل عقائدي يمتلك حاضنة شعبية واسعة في المناطق التي يسيطر عليها في لبنان، وهو ما يجعل من الصعب القضاء عليه بالكامل.
ويقول: "إن الحزب لديه أيضًا هيكلية تنظيمية قوية قادرة على تعيين قائد جديد والاستمرار في عملياته العسكرية ضد إسرائيل".
"شندب" يرى أن إيران، رغم عدم تدخلها بشكل مباشر بعد مقتل نصر الله، لن تتخلى عن حزب الله كلياً.
ويضيف: "إيران تعتمد على الحزب كجزء من استراتيجيتها الإقليمية لمواجهة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة". ويشير إلى أن هناك احتمالية لمساومات سياسية بين إيران ودول أخرى في المنطقة، لكنها لن تتخلى عن دعمها للحزب بشكل كامل.
ويؤكد "سلامة" ذات وجهة النظر قائلاً: "إيران تعد تجسيد للدولة "الميكيافيلة" أي دولة المصلحة والتي لا تقارن مالصحها الذاتية بأي دولة أو وكيل لها".
ويتضح ما خلص إليه الخبيران بهذا السياق من خلال الأنباء التي تحدثت عن عميلٍ إيراني وضع مادة "مجهولة" على يدي نصر الله جعلت من ملاحقته واكتشاف موقعه أمراً بمتناول الموساد الإسرائيلي، حسب ما نقلت وسائل إعلام، حيث أكدت أن العميل هو شخصية إيرانية رفيعة التقت نصر الله سابقاً.
وفيما يتعلق بإمكانية توسع الحرب بين إسرائيل وحزب الله، يتوقع "سلامة" أن إسرائيل قد تقوم بعملية برية محدودة في جنوب لبنان، ولكنها لن تسعى لتوسيع النزاع ليشمل كل الأراضي اللبنانية، وذلك بسبب مخاوفها من تكبد خسائر كبيرة كما حدث في حرب 1982. ويرى أن دعم إسرائيل الغربي، لا سيما من الولايات المتحدة، سيعزز موقفها في أي عملية عسكرية قادمة.
تأثير مقتل نصر الله على الساحة السياسية اللبنانية
الساحة السياسية اللبنانية ليست بمنأى عن تداعيات مقتل نصر الله، حيث يشير "سلامة" إلى أن الحزب سيواجه تحديات كبيرة في إعادة تنظيم صفوفه. كما أن العلاقات بين حزب الله وباقي القوى السياسية اللبنانية قد تشهد تغيرات كبيرة، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة امتلاك السلاح خارج إطار الدولة.
من جهته يرى "شندب" أن لبنان يعاني من انقسام سياسي حاد، حيث أن العديد من القوى السياسية ترى أن حزب الله يمثل تهديداً لسيادة الدولة واستقلالية قرارها السياسي، وذلك بسبب امتلاكه لأسلحة ومليشيات خارج نطاق سيطرة الحكومة. وفي حال تمكنت الدولة من إعادة السيطرة على هذه الأسلحة، فقد تشهد الساحة السياسية اللبنانية تحسناً ملحوظاً.
استغلال إسرائيل للفرصة الذهبية
يؤكد أيمن سلامة أن إسرائيل ستسعى للاستفادة من الفوضى التي قد تنجم عن مقتل نصر الله لتنفيذ مخططاتها في لبنان. وأحد السيناريوهات المحتملة هو إنشاء "منطقة عازلة" في الجنوب اللبناني، مشابهة لتلك التي تحاول إنشاءها في قطاع غزة. هذه المنطقة قد تتيح لإسرائيل السيطرة على الحدود اللبنانية وتجنب أي تهديدات مستقبلية من حزب الله.
ومع ذلك، "سلامة" لا يتوقع أن تقوم إسرائيل بالتوغل إلى العاصمة بيروت كما حدث في عام 1982، حيث أصبحت إسرائيل أكثر حذراً من تكبد خسائر بشرية كبيرة في أي حرب برية واسعة النطاق.
ويقول: "الهدف الأساسي لإسرائيل هو فرض واقع جديد في الجنوب اللبناني، ومن ثم التفاوض على اتفاقات جديدة برعاية دولية، ربما تكون الإدارة الأمريكية هي الوسيط الرئيسي فيها."
الرد الإيراني المتوقع
رغم الخطاب المتشدد الذي تبنته إيران بعد مقتل نصر الله، إلا أن الرد الإيراني حتى الآن كان محدودًا.
يرى "سلامة" أن إيران لن تستطيع الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، خصوصاً في ظل الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل والتفوق العسكري الإسرائيلي.
ويقول: "إيران تدرك أنها قد تتعرض لخسائر كبيرة إذا ما حاولت التصعيد، ولهذا فإنها قد تلجأ إلى تكتيكات غير مباشرة عبر أذرعها في المنطقة، مثل الحوثيين في اليمن أو الحشد الشعبي في العراق".
بينما يعتقد "شندب" أن إيران لن تتخلى عن حزب الله، لكنها قد تستغل الوضع الحالي لتحقيق مكاسب سياسية إقليمية.
ويقول: "الحزب لا يزال يشكل ركيزة أساسية في استراتيجيتها الإقليمية، ولكن طبيعة الدعم الإيراني قد تتغير وفقًا للتطورات السياسية والعسكرية على الأرض".
التحديات المستقبلية لحزب الله
التحدي الأكبر الذي سيواجهه حزب الله بعد مقتل نصر الله هو إعادة ترتيب صفوفه وتجنب المزيد من الاختراقات. حيث أن حادثة تفجيرات البيجر أظهرت أن الحزب يعاني من ضعف في قدراته الاستخباراتية، وهذا الأمر قد يستغله خصومه، سواء داخل لبنان أو خارجه. ويجمع الخبراء أن إعادة بناء الهيكل التنظيمي وتعزيز قدراته الأمنية سيكونان من الأولويات القصوى للحزب في الفترة المقبلة.
بينما من الناحية العسكرية، سيكون على الحزب مواجهة الضغوط الإسرائيلية المتزايدة في الجنوب اللبناني، خاصة مع احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية برية محدودة لتأمين حدودها.
يذكر أن نائب زعيم حزب الله نعيم قاسم خرج بخطاب اليوم أكد ما خلص إليه الخبراء بأن الحزب سيواصل القتال بنفس النهج، مشيرًا إلى أن هيكليته التنظيمية متماسكة رغم مقتل قادة الصف الأول.
[caption id="attachment_607116" align="alignnone" width="2402"]

مقتل نصر الله ليس النهاية.. خبراء يكشفون "خطط إيران" و "فرصة ذهبية" لإسرائيل[/caption]