شنّت إسرائيل فجر الجمعة، عملية عسكرية معقّدة وواسعة النطاق ضد أهداف إيرانية حساسة داخل العمق الإيراني، في خطوة حملت رسائل استراتيجية تتجاوز حدود الردع، استخدام أكثر من 200 طائرة مقاتلة وطائرات مسيّرة، مستهدفة منشآت نووية وعسكرية وعددًا من منازل القادة الإيرانيين.
العملية التي أُطلق عليها اسم "الأسد الصاعد" استهدفت منشآت نووية، ومراكز تابعة للحرس الثوري، ومقار لقيادات رفيعة المستوى، ما أسفر عن مقتل شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني، وقيادات من الصف الأول في المؤسستين الأمنية والعسكرية، لكن كيف وصل "الموساد" لعمق إيران وما هي سيناريوهات الرد؟
اختراق إسرائيلي في قلب إيران
أثارت العملية علامات استفهام واسعة حول عمق الاختراق الإسرائيلي للأمن الإيراني، إذ تشير الدلائل إلى أن الضربات نُفذت بدقة عالية وبمعلومات استخباراتية متقدمة جدًا، مع وجود عملاء للموساد داخل إيران عملوا على إطلاق طائرات مسيّرة بالتزامن ع الضربات الجوية.
وهذا ما أكده الدكتور وجدان عبد الرحمن، الباحث في الشأن الإيراني، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز بقوله: "الاختراقات الإسرائيلية ليست جديدة. منذ نشوء النظام الإيراني، كانت إسرائيل متغلغلة في الأجهزة الإيرانية. فالمعروف أن جهاز الاستخبارات الإيراني 'السافاك' تأسس أصلاً على يد شبكة إسرائيلية، واستمر هذا النفوذ حتى بعد سقوط الشاه وصعود الخميني، إذ بقيت بنية النظام الأمني عرضة للاختراق."
وطالت الضربات منشآت حساسة مثل نطنز وإصفهان، حيث استهدفت البنية التحتية فوق الأرض، دون تسريبات إشعاعية حسب تقارير الوكالة النووية الدولية.
ويضيف عبد الرحمن أن التغلغل الإسرائيلي بلغ مستويات صادمة: "إسرائيل تملك عملاء داخل الجهاز الأمني، وحتى في الحرس الثوري ومؤسسات عليا، وليس هذا أول اختراق، لكنها المرة الأولى التي تُعلن إسرائيل العملية بهذه الصراحة. سبق لها استهداف منشآت الطرد المركزي في كرج، ومرافق حيوية في أصفهان، عبر طائرات مسيّرة انطلقت من داخل إيران نفسها."
ويؤكد أن غالبية العملاء على الأرجح من الإيرانيين الذين جُنّدوا لصالح إسرائيل، لكن لا يستبعد احتمال وجود عناصر أجنبية تم إدخالها بطرق خاصة، في ظل هشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية في بعض المواقع الحساسة.
استهداف غير مسبوق للقيادات العليا
العملية لم تقتصر على البنية التحتية النووية، بل شملت شخصيات قيادية من الصف الأول، كما قُتل أو جُرح قادة حرس ثوري رفيعي المستوى منهم الفريق حسين سلامي، ورئيس الأركان محمد باقري وفق تأكيد من مصادر متعددة، كما سقط عدد من العلماء النوويين البارزين، مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي تريتشينشي.
وعن مدى تعمق هذا الاختراق، يقول الدكتور عبد الرحمن: "بلغ الخرق مرحلة بحيث أن إسرائيل باتت تعرف أين ينام قادة من الصف الأول داخل قواعد الحرس الثوري، واستهدافهم بهذه الدقة يؤكد أن المؤسسة الأمنية والسياسية في إيران باتت مكشوفة بالكامل."
وأضاف: "الهجمات استهدفت قائد الحرس الثوري، وقائد البحرية، ورئيس هيئة الأركان، ومستشار خامنئي شخصيًا... هذه الضربة تؤكد انهيارًا أمنيًا خطيرًا."
هل تم تحييد البرنامج النووي الإيراني؟
تفاوتت التقديرات حول ما إذا كانت الضربة الإسرائيلية قد نجحت في تدمير البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل إعاقته بشكل كبير، وبحسب عبد الرحمن، فإن المنشآت النووية الرئيسية تقع تحت الأرض، ما يجعل تدميرها بالكامل أمرًا صعبًا
ويقول: "إسرائيل بدأت فعلاً باستهداف المنشآت النووية، لكن لا ننسى أن معظمها تحت الأرض. الضربات الحالية طالت القواعد المكشوفة، لكن استمرار هذه العمليات، لا سيما إذا تدخلت الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى استهداف مباشر للمرافق المحصنة."
وأشار إلى أن تصريح ترامب التحذيري لإيران بعد الضربة يحمل دلالات خطيرة: "الرئيس ترامب هدّد إيران، وقال صراحة إنه إن لم تستجب طهران للمطالب الأمريكية، فإن الضربات ستتكرر بشكل أكثر تدميرًا، وقد تُدمَّر المنشآت الكبرى بالكامل."
سيناريوهات الرد الإيراني.. خيارات محدودة
بطريقة تمثّل دورة رد فعل عاجلة، أطلقت إيران أكثر من 100 طائرة مسيّرة (درون) باتجاه إسرائيل، لكنه تم اعتراضها في معظمها.
ومع تعرّضها لضربات بهذا الحجم، تُطرح تساؤلات حول كيفية ردّ إيران. ويبدو أن الخيارات أمامها محدودة، بحسب تقييم الدكتور عبد الرحمن.
ويقول: "إيران أصبحت مكتوفة اليدين بعد تدمير منصات صواريخها وقواعدها الجوية. لديها 14 قاعدة جوية تم استهداف نصفها في هذه الضربة فقط. الرد عبر المسيّرات اليوم كان مرتبكًا، ويعكس ضعف القدرة على الرد الحقيقي. إيران كانت تتفاخر بالرد الصاعق، لكن ما حدث حتى الآن دون التوقعات."
ويرى أن طبيعة الرد ستبقى محدودة، وقد تتجنب إيران المواجهة المفتوحة: "ردّها حتى الآن محدود، والسبب هو استهداف القيادة، ومنصات الدفاع، وإمكانية الإطلاق. النظام الإيراني فقد توازنه، وأي رد قد يستجلب موجة جديدة من الضربات الأمريكية والإسرائيلية."
https://www.youtube.com/shorts/zLUpTi5xgPU
مفاوضات نووية تحت النار
تأتي هذه التطورات في وقت حساس، حيث كانت طهران تسعى لاستئناف المفاوضات النووية مع الغرب. إلا أن عبد الرحمن يرى أن الضربة غيّرت المعادلة.
ويقول: "إذا كان النظام الإيراني يريد فعلاً إنقاذ ما تبقى من النظام، فعليه أن يستسلم. تهديد ترامب واضح: التفاوض أو المزيد من الضربات. اليوم إيران فقدت أوراقها؛ لا رد من حلفائها، ولا حتى رد داخلي يرتقي لحجم الضربة."
ويضيف: "في النهاية ستضطر إيران للجلوس على طاولة المفاوضات، لكنها ستكون مفاوضات من موقع ضعف، وقد تفشل في ظل الضغط الدولي، خصوصًا في حال إحالة الملف لمجلس الأمن واحتمال تفعيل آلية الزناد وإعادة فرض العقوبات الدولية تحت الفصل السابع."
https://www.youtube.com/watch?v=4rQjssG0jmg&pp=ygUT2LPYqtmK2Kgg2KXZitix2KfZhtIHCQneCQGHKiGM7w%3D%3D
إيران بين الحشد والتراجع
رغم التصريحات النارية، لم تُظهر إيران حتى الآن أي تصعيد إقليمي حقيقي، سواء عبر حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن. ويبدو أن هذا الهدوء مرده إلى صدمة العملية الإسرائيلية وشدة وقعها.
وخلاصة ما يجري، وفق عبد الرحمن، أن إسرائيل فرضت واقعًا جديدًا: "إسرائيل لم تعد تكتفي بالرد على الهجمات، بل باتت تبادر. رسالتها لإيران: نحن نعرف كل شيء عنكم، وسنضربكم في العمق، حتى داخل منشآتكم النووية."
ولم تكن الضربة الإسرائيلية عملية محدودة، بل تدشينًا لمرحلة جديدة من المواجهة بين تل أبيب وطهران، ومن الواضح أن الحرب الاستخباراتية وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن إيران باتت في موقع دفاعي غير مسبوق، ويبقى السؤال المفتوح الآن: هل تملك إيران القدرة – والإرادة – للرد بما يعيد التوازن، أم أن مرحلة جديدة من الإملاءات الدولية بدأت، والخيارات أمام النظام الإيراني تتناقص باطراد؟
[caption id="attachment_644123" align="alignnone" width="2405"]

ضربة إسرائيلية تهز إيران.. خبير يكشف كيف اخترق "الموساد" قلب طهران بعملاءٍ على الأرض[/caption]
https://www.youtube.com/watch?v=_59UfqtMjag&pp=ygUT2LPYqtmK2Kgg2KXZitix2KfZhg%3D%3D
https://www.youtube.com/watch?v=lRUG08vlFz4&pp=ygUT2LPYqtmK2Kgg2KXZitix2KfZhtIHCQneCQGHKiGM7w%3D%3D