تشهد الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان تصاعدًا في التوترات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، حيث تزداد المخاوف من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة. تستند هذه التوترات إلى مزيج من التصريحات التهديدية والتحركات العسكرية، مما يزيد من احتمالات نشوب صراع شامل، فيما يرى خبراء أن هناك "فخ" تعدّه تل أبيب، ويوضحون سيناريوهات الحرب المتوقعة.
تهديدات وتحضيرات لحرب إسرائيل وحزب الله
في حديث لوكالة ستيب نيوز، يرى المحلل السياسي اللبناني، مكرم رباح، أن ما يجري هو جزء من عملية تهديد وتحضير لمواجهة أوسع. يقول رباح: "أعتقد بأن ما يجري هو مجرد تهديد، وتحضير لمواجهة أوسع، قد لا تكون مواجهة تقليدية فيما يتعلق بالغزو البري كما حدث في 2006 وفي 1982 و1978." هذا يشير إلى أن الصراع المستقبلي قد يتخذ شكلاً مختلفًا عن النزاعات السابقة التي شهدتها المنطقة.
رباح يؤكد على جدية إسرائيل في مواجهة خطر حزب الله على حدودها الشمالية، مشددًا على أنه "لا شك بأن جدية إسرائيل في مواجهة خطر حزب الله على حدودها الشمالية هو شيء جدي، ويتم الاستعداد له." هذا التحضير الجدي يشير إلى أن إسرائيل قد تكون مستعدة لاتخاذ خطوات كبيرة في حال شعرت بتهديد مباشر من حزب الله.
في السياق، هدّدت إسرائيل، باستخدام أسلحة جديدة وغير مسبوقة، في حال نشبت حرب شاملة مع حزب الله، وذلك "من أجل حسم سريع في جبهة الشمال" يضمن الهدوء وتمكين عشرات آلاف المستوطنين من العودة إلى مستوطنات الشمال.
ونقلت قناة "12" الإسرائيلية عن مصادر مطلعة لم تسمها، إن إسرائيل بعثت رسالة إلى البيت الأبيض، قالت فيها "إنها ستستخدم أسلحة لم تستخدمها من قبل مطلقا، للتعامل مع حرب محتملة مع حزب الله في لبنان، لحسمها سريعا وعدم الانجرار إلى حرب طويلة".
حزب الله وإيران: الاستراتيجية الحالية والنهج المستقبلي
يتابع رباح بالقول إن حزب الله وإيران لا يسعيان في الوقت الحالي إلى الحرب، موضحًا: "حزب الله وإيران لا يريدون الحرب بهذه المرحلة بالذات ليس لأنهم لا يريدون الدخول في القتال، بل لأن القتال ليس من مصلحتهم الآن." ويبدو أن الاستراتيجية الحالية لحزب الله تتجه نحو تجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل، مع السعي لتحقيق أهدافه من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية.
ويضيف رباح أن حزب الله يحاول استغلال الديمقراطية في إسرائيل وأمريكا للتأثير على مواقفهما، قائلاً: "هم يحاولون أن يستعملوا الديمقراطية الإسرائيلية والأمريكية للتأثير وهم غير جادين في قتال إسرائيل بالمفهوم التقليدي، ومن هنا يحاولون أن يماطلوا بالمواجهة حتى يستطيعوا أن يفرضوا نوع من نصر سياسي وليس العسكري." هذا النهج يعكس محاولة حزب الله لتحقيق مكاسب سياسية دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة.
الحكومة اللبنانية: بين الصمت والتواطؤ
يشير رباح إلى أن الحكومة اللبنانية تبدو وكأنها غير فاعلة في مواجهة هذه التوترات، مفسرًا: "لا أستعمل كلمة صمت الدولة، بل هناك تواطؤ واضح من الطبقة السياسية اللبنانية، وإن حصلت مواجهة عسكرية فهو خطر كبير على الدولة." هذا يعكس الانتقاد الواسع للدور غير الفاعل للحكومة اللبنانية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وفي التعامل مع سياسات حزب الله.
وفيما يتعلق بدور الجيش اللبناني، يوضح رباح أن الجيش لن يتدخل في حال اندلاع الحرب، قائلاً: "الجيش اللبناني لن يتدخل في حال حصلت الحرب والمواجهة العسكرية فليس لديه القدرة على ذلك، وحتى الشعب اللبناني لا يريد أن يرمي الجيش اللبناني في النار."
قوة حزب الله العسكرية: القدرات والتهديدات
تعد قوة حزب الله الصاروخية جزءًا حيويًا من استراتيجيته العسكرية، حيث يمتلك الحزب ترسانة كبيرة ومتنوعة من الصواريخ. تتراوح هذه الصواريخ بين قصيرة ومتوسطة المدى، بالإضافة إلى صواريخ دقيقة بعيدة المدى يمكنها ضرب أهداف حيوية داخل إسرائيل. هذه القدرات تجعل من أي مواجهة مع حزب الله مكلفة للغاية من الناحية البشرية والمادية لإسرائيل.
العميد هشام جابر، في حديث لوكالة ستيب نيوز، يعزز هذا الرأي بقوله: "لدى حزب الله قدرة عسكرية رغم أنه من المعلوم أنه ليس بقوة الجيش الإسرائيلي لكن من خلال طريقة قتاله ومن خلال معرفته لأرضه ومقاتليه والسلاح الذي يملكه يقدر على تكبيد خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي إذا أقدم على غزو بري." جابر يلفت النظر إلى أن حزب الله يعتمد على استراتيجيات غير تقليدية وتكتيكات حرب العصابات التي يمكن أن تكون فعالة جدًا ضد جيش تقليدي كجيش إسرائيل.
وكان حذر زعيم حزب الله حسن نصر الله، الأسبوع الفائت من أن الحزب "سيقاتل بلا ضوابط أو قواعد وبلا سقف"، في حال اندلاع حرب واسعة مع إسرائيل.
وقال نصر الله في كلمة ألقاها خلال تأبين قيادي بارز في صفوف حزبه، قتل الأسبوع الماضي بنيران إسرائيلية، إن احتمال انزلاق الأمور مع إسرائيل إلى حرب كبرى وارد.
وأكد أنه "في حال اندلاع الحرب لن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل من هجمات حزب الله"، وأن ذلك "يشمل أهدافاً محتملة في البحر المتوسط".
وكشف نصر الله أن الحزب يمتلك قدرات قوية لا يعرف "العدو" عنها إلا القليل، مضيفاً: "إذا فرضت علينا الحرب فإن إسرائيل هي من يجب أن تخاف".
كما أكد حصول حزب الله على "أسلحة جديدة"، ملوحاً باستخدامها مستقبلاً.
تهديدات حزب الله لقبرص: تداعيات على العلاقات الدولية
من بين التهديدات التي أطلقها حزب الله مؤخرًا كانت تلك الموجهة نحو قبرص، والتي يرى المحلل مكرم رباح أنها تهدف إلى تشتيت الانتباه وإلهاء الرأي العام. يقول رباح: "موضوع قبرص هو موضوع لتشتيت النظر وإلهاء الناس بهذا الكلام، وأعتقد بأنه يريد أن يقول (علي وعلى أعدائي) ومن هنا قد يجبرهم على أن يكون هناك نوع من قنوات خلفية يستطيع أن يتواصل مع الأوروبي." هذه التهديدات قد تؤدي إلى تعزيز عزلة لبنان الدولية، وهو أمر قد يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد.
الموقف الأوروبي: دور القنوات الخلفية
يشير رباح إلى أن تهديدات حزب الله لقبرص قد تكون محاولة لفتح قنوات خلفية للتواصل مع الأوروبيين، ولكن هذه المحاولة قد تكون لها تأثيرات سلبية على لبنان. يضيف رباح: "ما قام به حسن نصر الله بموضوع قبرص شيء سلبي من ناحية حزب الله بقيامه بذلك عن سبق وعي، مما يزيد من عزل لبنان أكثر وأكثر عن بيئته." هذا يعكس المخاطر التي يمكن أن تترتب على التحركات التكتيكية لحزب الله في الساحة الدولية، خاصة في ظل محاولات الأطراف الأوروبية لعب دور في تهدئة التوترات في المنطقة.
السيناريوهات العسكرية المحتملة: الحرب والمواجهة
العميد هشام جابر يقدم تحليلاً للفرق بين حرب غزة وحرب لبنان، مشيرًا إلى أن جنوب لبنان يشكل تحديًا أكبر بكثير لأي عملية غزو بري مقارنة بغزة. يوضح جابر: "من منظور عسكري، ما هو الفرق بين حرب غزة وحرب لبنان؟ حتما هناك فرق كبير، الفرق بغزة وجغرافيا غزة الصغيرة، وبعد تسعة أشهر لم يحقق الجيش الإسرائيلي أهدافه، وتعرضوا لخسائر كثيرة، بينما يبقى جنوب لبنان جغرافياً أصعب بكثير في حال الغزو البري، إضافة إلى أن حزب الله يملك أضعاف مقاتلي حماس من حيث العدد."
هذه العوامل تجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي تحقيق أي تقدم سريع في حالة الغزو البري للجنوب اللبناني. بالإضافة إلى ذلك، يشير جابر إلى أن حزب الله قد يطلق عشرات الآلاف من الصواريخ على المدن الإسرائيلية الكبرى إذا قررت إسرائيل توسيع ضرباتها لتشمل العاصمة اللبنانية والمطارات. هذه الصواريخ يمكن أن تلحق أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية الإسرائيلية وتؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة.
ويقول جابر: "لا أمريكا ولا إيران ولا حزب الله ولا أوروبا بيده أن يفتح الحرب الواسعة، لكن إسرائيل تحاول أن تستدرج حزب الله ليكون البادئ بالحرب، وهو بمثابة فخ، قد يكون حزب الله منتبه له".
ويضيف: "نحن على حافة الهوية، على حافة فتح، حرب، وهذه الحرب لا يريدها أحد إلا نتنياهو."
التصعيد الإقليمي: خطر الحرب الإقليمية
في حال تصاعدت الأمور إلى حرب شاملة، قد يؤدي ذلك إلى فتح كافة الجبهات في المنطقة، بما في ذلك البحر الأحمر وبحر العرب. يرى العميد جابر أن السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في توسيع رقعة الحرب لتشمل مضيق باب المندب، مما قد يستدعي تدخل إيران بشكل مباشر. يوضح جابر: "في هذا السيناريو، ولو تم إغلاق مضيق باب المندب وتوسعت فعلاً رقعة الحرب، حينها قد لا تبقى إيران مكتوفة الأيدي، لكن هذا الأمر الذي لا يريده لا إيران ولا أمريكا، ولا أحد يريد فتح حرب إقليمية."
بين التصعيد والتهدئة
تشير التحليلات إلى أن التوترات بين إسرائيل وحزب الله قد تكون مقدمة لصراع أكبر، ولكن الطرفين لا يرغبان في تصعيد الوضع إلى حرب شاملة في الوقت الحالي. بينما تستعد إسرائيل لأي تهديد من الشمال، يواصل حزب الله تعزيز قدراته العسكرية، مما يجعل أي مواجهة بين الجانبين محفوفة بالمخاطر والتبعات الكارثية على المنطقة بأكملها.
إن احتمال نشوب صراع واسع النطاق في لبنان يحمل في طياته مخاطر كبيرة على الصعيدين المحلي والإقليمي. التحركات والتصريحات الحالية تعكس توازنًا دقيقًا بين الاستعداد العسكري والتحفظ السياسي، مما يشير إلى أن الأطراف المعنية تسعى لتحقيق أهدافها دون الانزلاق إلى حرب شاملة، على الرغم من أن هذا الاحتمال يبقى قائماً في ظل تصاعد التوترات المستمر.
[caption id="attachment_588435" align="alignnone" width="2402"]
على حافة الهاوية.. خبراء يكشفون سيناريو الحرب الإسرائيلية المُقبِلة و"تكتيكات" حزب الله بالمعركة[/caption]
إعداد: جهاد عبدالله
