يعدّ جيش كوريا الشمالية من أكثر الجيوش "غموضاً" في العالم، حاله حال أيّ جانبٍ آخر يتعلّق بهذا البلد المنغلق على نفسه، ولربما ما يزيد الغموض حوله هو محاولة البحث في تاريخ نشأته، فمن ساعد هذا البلد المعاقب والمعزول على بناء قوته العسكرية والتطلّع لبلوغ الحلم النووي؟.
مواصلة كوريا الشمالية اختباراتها الصاروخية المثيرة للريبة والقلق على المستويين الإقليمي والدولي تعدُّ تحدياً قائماً لطالما أنّ كوريا الشمالية متشبثةٌ بنهجها العسكري الذي أكدت عليه مؤخراً باختبارها صاروخاً جديداً وصفته "بيونغ يانغ" على أنّه "تحذير رسمي" لجارتها الجنوبية، متخطيةً بذلك كل التعهدات التي قطعتها حول تعزيز فرص السلام في شبه الجزيرة الكورية.
الدولة التي مدّت جيش كوريا الشمالية بالأسلحة والعتاد
نشر موقع "ناشيونال إنترست" (مجلة أمريكية نصف شهرية تُعنى بالشؤون الخارجية)، على شبكة الإنترنت، تقريراً من إعداد الخبير العسكري مارك إيبسكوبوس، الذي طرح فيه تساؤلاً عن كيفية تحول كوريا الشمالية إلى قوة إقليمية رئيسية، وذلك سواءً من حيث ترسانتها النووية أو قياساً على المعايير العسكرية التقليدية؟
كيفية تحولت كوريا الشمالية لقوة إقليمية رئيسية
وبحسب المجلة الأمريكية، فقد ركزت التقارير السابقة على الخصائص المميزة لما يُعرف بـ "اقتصاد الحرب" في كوريا الشمالية، وبشكلٍ مخصصٍ على سياسة "الجيش أولاً"، التي تتجسد باعتبار الجيش الركيزة التنظيمية المركزية للمجتمع الكوري الشمالي، إلا أنّ الجزء الأكبر من الإجابة عن الجهة الداعمة لهذا الجيش يكمن في "المساعدات الخارجية" التي تلقتها "بيونغ يانغ".
التدفق المستمر للإعانات الاقتصادية الصينية
وبحسب تقرير الخبير العسكري مارك إيبسكوبوس، فإنّ القوة العسكرية الكبيرة التي تتمتع بها كوريا الشمالية اليوم ما كانت لتكون مستدامةً أبداً لولا ما وصفه بـ "التدفق المستمر للإعانات الاقتصادية الصينية".
صناعة الدفاع الكورية مبنية على المعدات السوفيتية
ويرى الخبير العسكري، أنّ المساعدات الصينية قد طغت "علنياً"، على جانبٍ مباشرٍ آخر من المساعدات الخارجية المقدمة إلى كوريا الشمالية، والذي يمرُّ من دون أن يلاحظه أحد إلى حدٍّ كبير في التعليقات الدفاعية المعاصرة، إذ أنّ "الصناعات الدفاعية" في كوريا الشمالية مبنيةٌ في الأساس على الأسلحة والمعدات السوفيتية.
ولادة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية
تُشير المراجع العسكرية والتاريخية، إلى أنّ ما تُعرف اليوم بـ " جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية" لم تكن موجودةً قبل عام 1948 م، حيث ظهرت هذه الدولة كنتيجةٍ ثانويةٍ لترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي كان من نتائجها هو دحر الغزو الياباني من شبه الجزيرة بعد أنْ دخلت الولايات المتحدة في عام 1938 م إلى الجزء الجنوبي من الجزيرة، فيما ساهم "الجيش الأحمر" التابع للاتحاد السوفيتي السابق في نيل الجزء الشمالي استقلاله في 1945، وعبر اتفاقٍ ثنائي بين واشنطن وموسكو، تمّ تقسيم الجزيرة على طول خط العرض 38.
في حين ساهم "الجيش الأحمر" التابع للاتحاد السوفيتي في نيل القسم الشمالي لاستقلاله في عام 1945 م، ولم يضيّع المكتب السياسي لـ "جوزيف ستالين" أيّ وقتٍ أو فرص في بناء جيش كوريا الشمالية، الذي أغرقه الاتحاد السوفيتي بـ 200 مليون روبل من المساعدات العسكرية ما بين عام 1949 و 1952 م.
فقد أرسل الاتحاد السوفيتي ما يقرب من حوالي 4000 جندي، ليس فقط بهدف تدريب القوات الكورية الشماليّة الناشئة، ولكن لتزويدهم بالدعم القتالي والخبرة الفنيّة خلال الحرب الكورية 1950 - 1953 م.
ومع مرور الزمن تمكنت كوريا الشمالية من تحويل اعتمادها العسكري على عمليات النقل السوفييتية المباشرة إلى صالح الإنتاج المحلي، وعلى الرغم من ذلك فإنّ المعدات السوفيتية والسوفيتية المرخصة لا تزال تمثّل أحد أعمدة المعدات العسكرية الحالية لكوريا الشمالية.
ولاحقاً سقط هذا الدور الداعم عن كاهل روسيا وأصبح بدلاً من ذلك على عاتق جمهورية الصين الشعبية، التي كانت نشطةً بشكلٍ متزايدٍ في تأكيد مصالحها الجيوسياسية في منطقة شرق آسيا.
[caption id="attachment_417036" align="aligncenter" width="453"]

لولاه لما وجد جيش كوريا الشمالية ولا حلمها النووي.. من مدّ يد العون لبيونغ يانغ؟[/caption]