دور أردني بارز لحل قضايا سورية
وفق وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، يأتي الاجتماع استكمالاً للمباحثات التي كانت استضافتها عمان بتاريخ 19 يوليو الماضي لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء في جنوب سوريا وحل الأزمة هناك، إلا أن هذه الجولة حملت أبعادًا أعمق، خاصة مع تصاعد التوتر في محافظة السويداء واشتداد الجدل حول سبل التعامل مع مطالب المكونات المحلية هناك. وحول ذلك يقول الدكتور عبد الحكيم القرالة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في حديث لوكالة ستيب نيوز: " الأردن في تعاطيه مع الملف السوري وفي علاقاته مع الشقيقة سوريا ينطلق من ثوابت وركائز غاية في الأهمية، تتمحور حول ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في سوريا، وصون وحدة وسلامة أراضيها، والعمل على بناء نظام سياسي يتطلع إليه السوريون، يشمل جميع أطياف المجتمع السوري دون إقصاء لأي طرف، وبما يعزز مسيرة الأمن والاستقرار في سوريا". مشيراً إلى أن هذه الرؤية هي التي ستحمي سوريا من أي مخاطر أو أطماع توسعية، أو سيناريوهات تقسيم. ويضيف: "إن أمن واستقرار سوريا، والوصول إلى سوريا جديدة تمثل جميع السوريين وتلبي طموحاتهم، هو من ثوابت السياسة الخارجية الأردنية تجاه الشقيقة سوريا. ومن هذا المنطلق، يندرج تقديم الأردن لكل أشكال الدعم والمساعدة، سواء السياسية أو اللوجستية، وفي مراحل بناء النظام السياسي أو إعادة الإعمار." وعلق المبعوث الأمريكي لسوريا توماس باراك عبر منصة إكس أن "الاجتماع يؤكد تصميمنا الجماعي على التحرك نحو مستقبل يمكن لسوريا وجميع شعبها أن يعيشوا فيه بسلام وأمن وازدهار". واتفق الأطراف الثلاثة خلال الاجتماع الذي عُقد في 19 يوليو/ تموز، على "خطوات عملانية تستهدف دعم سوريا في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء السورية". وتضمنت الخطوات حينها "مواضيع تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، ونشر قوات الأمن السورية في محافظة السويداء، وإطلاق سراح المحتجزين لدى كل الأطراف وجهود المصالحة المجتمعية في المحافظة، وتعزيز السلم الأهلي، وإدخال المساعدات الإنسانية". وعلى هامش الاجتماع الثلاثي، عقدت لقاءات ثنائية بين كل طرفين من الأطراف المشاركة، نُقلت خلالها رسائل متبادلة، وفق ما أفادت وسائل إعلام، ما يعكس أن المحادثات لم تقتصر على الطابع المعلن، بل تطرقت إلى تفاهمات ووساطات غير معلنة. وقالت الخارجية الأردنية في بيان لها إنه جرى الاتفاق خلال الاجتماع على تشكيل مجموعة عمل مشتركة لدعم جهود الحكومة السورية في إعادة الاستقرار للسويداء.ملف "مهم" خلال اجتماع عمان
لا يغفل الأطراف الثلاثة قضية التدخلات الإسرائيلية في سوريا، حيث قامت إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد باستهداف الأراضي السورية بعشرات الغارات الجوية، ودمّرت بنى تحتية عسكرية وأمنية، كما طالبت بشكل متكرر بنزع كامل السلاح من المنطقة الجنوبية بسوريا ورفضت تواجد القوات الحكومية فيها، بالوقت الذي أكد المسؤولون الإسرائيليون دعمهم للمكون الدرزي في السويداء وتعهدهم بحمايته. ويقول القرالة: " الأردن، ومنذ اليوم الأول للأزمة السورية، لم يتوقف عن التواصل الإيجابي مع القيادة السورية الجديدة في إطار مساندة ودعم الأشقاء السوريين". ويضيف: " هذا هو عهد الأردن في التعاطي مع القضايا القومية والعربية؛ دعم وإسناد الأشقاء، وعدم ادخار أي جهد لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية، وصولًا إلى سوريا آمنة، مستقرة، وموحدة." ويؤكد أن الأردن يعي تمامًا خطورة الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها إسرائيل، وخاصة في الجنوب السوري، ويعتبرها ضمن نطاق أمنه القومي نظرًا للحدود المشتركة بين جنوب سوريا والمملكة الأردنية الهاشمية. ويتابع: " يستنفر الأردن كل طاقاته وإمكاناته، ويوظف علاقاته الدولية في إطار كبح جماح الأطماع الإسرائيلية التوسعية." ومن أبرز ما يثير القلق الأردني هو مشروع "ممر داوود" الذي تداولته
ملفات المخدرات واللاجئين
يسعى الأردن من خلال سياسته لدعم جهود استقرار سوريا، إلى تأمين العودة الطوعية للاجئين السوريين المتواجدين في المملكة، إضافة لتمكين الحكومة السورية من ضبط الحدود لوقف ومنع عمليات التهريب، لا سيما تهريب المخدرات، حيث عانت المملكة لسنوات من عمليات تهريب كبيرة للمخدرات من سوريا، وكان نظام الأسد يسهّل هذه التجارة العابرة للحدود ويستخدمها كورقة ضغط على دول الجوار، ورغم سقوط النظام لا تزال عمليات التهريب مستمرة، حيث تقودها ميليشيات مسلحة تمتهن هذه التجارة لتحقيق أرباح ومكاسب خاصة. يقول القرالة: "هناك ثقة متبادلة بين الطرفين السوري والأردني، والتنسيق قائم في العديد من الملفات، لا سيما ما يتعلق بحفظ أمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة. فالأردن وسوريا يرتبطان بعلاقات وثيقة وحدود طويلة، كما أن الأردن يستضيف أكثر من مليون ومئتي ألف لاجئ سوري." ويضيف: "هناك أيضًا تنسيق في ملف اللاجئين، فضلًا عن جهود عربية أوسع لدعم سوريا والتخفيف من العقوبات المفروضة عليها، والسعي لرفع بعضها، بما يساهم في تمكين الدولة السورية من استعادة استقرارها وبسط سيادتها على كامل أراضيها."ملف السويداء وأطروحة اللامركزية
تناقلت وسائل إعلام عن مصادر أن الأردن سيطرح على الحكومة السورية تبني فكرة اللامركزية كحل للخلافات مع المكونات السورية، والسماح بتمثيل شمولي أكبر لكل فئات المجتمع السوري، وكانت الخارجية السورية قبل أيام ألمحت لهذا الطرح من خلال تصريحات لمسؤول أكد فيها أن "الحكومة السورية تؤمن باللامركزية الإدارية". ويشير عبد الحكيم القرالة إلى أن ملف السويداء من ضمن الملفات الأبرز خلال المحادثات، حيث أن المقاربة بطرح اللامركزية الإدارية قد يكون بداية الحل للخلاف بين الحكومة والفصائل المحلية ووجهاء السويداء. ويقول: " ما حدث مؤخرًا في السويداء وبعض أعمال العنف هناك يعد مؤشرًا خطيرًا، وقد يعيد – لا قدّر الله – الأمور إلى مربع العنف والاقتتال الداخلي، وهو أمر مضر للغاية ويؤثر سلبًا على أي انخراط عربي أو إقليمي أو دولي لدعم سوريا. فحالة عدم الاستقرار تعد عاملًا منفّرًا لأي دعم أو إسناد." ويختتم بالقول: "أي عودة لأعمال العنف ستكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على مستقبل سوريا الجديدة التي نطمح إليها جميعًا – سوريين وعربًا – سوريا التي تتجاوز الأطماع، وتحقق تطلعات شعبها، ويقوم نظامها السياسي على الشراكة بين جميع أطياف المجتمع دون إقصاء لأي طرف." ويرى مراقبون أن الطرح الأردني بفكرة اللامركزية لمعالجة أزمة السويداء يواجه عقبات كبيرة على الأرض. فالحكومة السورية تعتبر أن السبب الجوهري للأزمة في السويداء هو "السلاح المنفلت" وتعنت بعض الفصائل المحلية، في حين ترد تلك الفصائل بأن السبب يعود إلى "الانتهاكات" التي ارتكبتها القوات الحكومية وإرسالها تشكيلات عسكرية إلى المحافظة، الأمر الذي دفعها إلى رفض أي مقترح لتسليم السلاح، وبالتالي بعد التوافق بين الحكومة بالمركز والأطراف بالمحافظة الجنوبية. ونشرت الخارجية السورية بياناً حو المحادثات تحدثت فيه عن تأكيد الأطراف الثلاثة على أن السويداء جزء أصيل من سوريا وحقوقها محفوظة، كما جرى الاتفاق على عودة الخدمات للمحافظة وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، وتسهيل عودة النازحين، والشروع بمسار المصالحات والسلم الأهلي. [gallery columns="2" size="large" ids="650216,650217"] وبحسب قراءة أستاذ العلوم السياسية عبد الحكيم القرالة فإن هذه الملفات هي صلب المحادثات خلال اجتماع عمان، ويتضح أن الأردن يقود هذه المبادرة لدعم الاستقرار في سوريا والحفاظ على وحدتها، إضافة لتمكين أمنه الإقليمي، وقطع الطريق أمام أي مشاريع إسرائيلية توسعية تهدد المنطقة انطلاقاً من سوريا. [caption id="attachment_650209" align="alignnone" width="2405"]