في تطور أمني لافت، أعلنت السلطات في ليبيا تفكيك ثلاث خلايا تابعة لتنظيم "داعش" في الجنوب الليبي، وضبطت ما وصف بأنه "أكبر مستودع أسلحة" في مدينة سبها منذ سنوات، وسط مؤشرات على عودة نشاط التنظيم في مناطق صحراوية وعرة.
العملية التي نفذها جهاز المخابرات بالتعاون مع لجنة العقوبات الدولية، سلطت الضوء على تحوّل نوعي في آليات تحرك الجماعات المتطرفة داخل ليبيا بعد سنوات من تراجع نشاط التنظيم، في ظل صراع سياسي مستمر بين حكومتي الشرق والغرب على الشرعية والدور الأمني.
خلايا نائمة تتحرك مجددًا في ليبيا
بحسب مصادر أمنية، تنشط خلايا التنظيم في الجنوب الأوسط، وتستغل الطبيعة الجغرافية لمنطقة جبال الهروج الوعرة كبيئة مناسبة للاختباء وإعادة التموضع.
وفي هذا السياق، قال عبد الستار حتيتة – الباحث في الشأن الليبي، في حديث لوكالة ستيب نيوز: إن تنظيم داعش "ما زال موجوداً في ليبيا كخلايا نائمة، ومعظم عناصره اضطروا للهروب إلى الجنوب الأوسط، في منطقة جبال الهروج".
وأكد أن ما حدث مؤخرًا "يعيد فتح ملف نشاط التنظيم الذي لم ينتهِ فعليًا، بل غيّر من تكتيكاته".
دوافع التجدد.. صراع الحكومتين على الشرعية
تشير توقيتات هذه العمليات إلى وجود ما يشبه "السباق الأمني" بين طرفي الانقسام الليبي – حكومتا الشرق والغرب – لإثبات القدرة على فرض السيطرة وتطويق خطر الإرهاب.
وقال حتيتة بهذا الشأن: "في الوقت الراهن، أظن أنه يوجد سباق بين حكومتي الشرق والغرب على فعل أي شيء يجعل المجتمع الدولي راضياً عما تقوم به هذه الحكومة أو تلك، فيما يخص محاولات القضاء على الإرهابيين في ليبيا".
ويرى مراقبون أن هذا التنافس الأمني يحمل في طياته رسائل للخارج أكثر مما هو استجابة لمخاطر الداخل، خاصة مع اقتراب إحاطة المبعوثة الأممية إلى ليبيا أمام مجلس الأمن، منتصف الشهر الجاري.
ورغم خطورة التهديدات الأمنية، لا يُتوقع أن تسهم هذه التطورات في تحفيز التعاون بين الحكومتين.
ويُعزز هذا الاعتقاد ما قاله حتيتة: "هذا مستبعد. فكل حكومة تريد أن تبين للمجتمع الدولي إلى أي حد يمكنها الإمساك بزمام الأمور، ومحاربة الإرهاب".
ويضيف محللون أن استمرار هذا الانقسام يمنح التنظيمات مساحة مرنة للحركة، خاصة في مناطق التماس أو تلك الخارجة عن السيطرة المباشرة لأي من الطرفين، مثل الجنوب الصحراوي والحدود الجنوبية الشرقية.
من يموّل عودة داعش؟
إلى جانب التحركات الميدانية، فتحت هذه التطورات باب التساؤلات حول الجهات التي قد تقف وراء تمويل أو تغذية عودة "داعش" إلى الساحة الليبية.
ويرى حتيتة أن هناك جهات – محلية وخارجية – يمكن أن تكون وراء بعثرة الأوراق: "هذا محتمل إلى حد كبير... كان هناك حوالي 5000 داعشي في سرت حتى عام 2017. أين ذهب هؤلاء؟ قل تبقى منهم الربع فقط... وهم منتشرون كخلايا نائمة، في منطقة الهروج وغيرها".
ويضيف: "هذا العدد يحتاج لمن يكفله من جديد... الجهات التي يمكن أن تقوم بذلك، هي قوى محلية مرتبطة مع قوى أجنبية خارجية، يسعى كل منهما لتحقيق أهدافه الخاصة في ليبيا".
مستودعات الأسلحة في سبها: أخطر كشف منذ سنوات
كشفت السلطات أن العملية الأمنية الأخيرة أسفرت عن ضبط مخزن أسلحة ضخم في سبها، كان مخبأ داخل منزل سكني.
وقال مصدر أمني رسمي: "تم العثور على قذائف هاون، أسلحة متوسطة، أجهزة تفجير عن بعد، ووثائق تثبت صلات خارجية بالعناصر التي تدير هذه الشبكة".
هذه الكمية، بحسب تقديرات أمنية، تمثل "نقطة تموين لوجستي" خُطط لها على مدى أشهر، وتؤكد أن التنظيم لم يغادر ليبيا فعليًا، بل استثمر في العودة بطريقة أكثر تحصينًا وتخفيًا.
ويشير محللون إلى أن التنظيم لم يعد يعمل ككيان منفصل، بل ضمن منظومة "متطرفة هجينة"، تجمع بين داعش، القاعدة، أنصار الشريعة، وبوكو حرام.
وفي هذا السياق، يقول حتيتة: "الدواعش في ليبيا ليسوا وحدهم... هناك خليط من المتطرفين من دول شتى، وتحت مسميات عدة. من مصلحة الدول الكبرى، وبعض الفاعلين المحليين، تحريك هذا الخليط عند اللزوم، بما يحقق لكل طرف ما يريده".
[caption id="attachment_649380" align="alignnone" width="616"]

عبد الستار حتيتة – الباحث في الشأن الليبي[/caption]
ماذا بعد؟ المجتمع الدولي يراقب
رغم خطورة التطورات، لا تُظهر القوى الدولية حاليًا نية واضحة للتحرك السريع، وهو ما يُفسّره حتيتة بقوله: "معلوم أن هناك فرقاً لدى الدول الكبرى بين المعلومات والتنفيذ... معظم تلك الدول لديها معلومات دقيقة، لكنها تتحرك فقط حين تتقاطع المصالح".
وتتحدث مصادر دبلوماسية عن ملف مشترك بين ليبيا وتشاد والنيجر سيُعرض ضمن جلسة مجلس الأمن المقبلة، يتناول التنسيق الاستخباري والمخاوف من عودة التهديدات الإرهابية عبر الحدود.
وبين سباق الحكومتين الليبيتين، وواقع الجنوب المفتوح على الاحتمالات، يجد تنظيم داعش فرصة لإعادة بناء نفسه في الظل، متكئًا على خلايا نائمة وشبكات تمويل متجددة.
العملية الأمنية في سبها قد تكون بداية كشف واسع، لكنها تظل غير كافية ما لم تُترجم إلى استراتيجية وطنية موحدة لمكافحة الإرهاب، مدعومة بإرادة سياسية وتنسيق دولي صريح، يتجاوز مجرد الرغبة في نيل رضا المجتمع الدولي.
اقرأ أيضاً|| ليبيا تعيد قرع طبول الحرب.. ماذا يجري في طرابلس وفي "مطابخ" أنقرة والقاهرة
[caption id="attachment_649377" align="alignnone" width="2405"]

جبال الهروج ليست نائمة.. تحرك "خطير" لتنظيم "داعش" في ليبيا وخبير يتحدث عمّن يدفع لهم؟[/caption]
إعداد: جهاد عبد الله
https://youtu.be/YIEOwekjtwc?si=NzhN5ATnx7r6ezmF