في ظل أجواء سياسية متوترة، شهدت مدينة الحسكة انعقاد مؤتمر حمل عنوان "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا"، نظمته قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والهدف المعلن من المؤتمر كان تعزيز دور قسد في المشهد السياسي السوري، والتأكيد على حق مكونات المنطقة في صياغة دستور ديمقراطي جديد يحفظ خصوصياتها الثقافية والدينية.
لكن رغم هذا الطموح، لم يخل المؤتمر من جدل واسع، خاصة مع غياب شخصيات بارزة من القبائل العربية وغياب ممثلين فعليين عن الكنائس المسيحية وأحزابها السياسية، فضلاً عن مشاركة عناصر وصفها البعض بفلول النظام وممثلي تنظيمات انفصالية ومليشيات إيرانية، ما أضعف من مصداقية المؤتمر وجعله موضوع رفض رسمي من دمشق وامتعاض شعبي في بعض المناطق.
قسد ورسالتها الدولية.. بين الطموح والواقع
في حديث مع وكالة ستيب نيوز يرى المحلل السياسي السوري عبد الستار القيصري أن قسد أرادت عبر المؤتمر أن ترسل رسالة واضحة للمجتمع الدولي تقول فيها: "هي قادرة على احتواء التنوع الاجتماعي والديني في سوريا، وأنها منظمة وجاهزة لاستلام سوريا وقيادتها".
لكنه أكد أن هذه الرسالة لم تحقق أهدافها بسبب الغيابات المهمة، حيث أوضح: "فشل المؤتمر لأنه لم يحضره وجهاء وشيوخ القبائل العربية الحقيقين، وكذلك لم يحضره رجال الدين المسيحيين الحقيقيين ولا أحزابهم السياسية. بالإضافة إلى مشاركة فلول النظام والانفصاليين غزال غزال والهجري، وكذلك أعضاء سابقين بحزب الله ومليشيات إيران".
تلك التداخلات أعادت إلى الواجهة جدل شرعية قسد كفاعل سياسي يمثل المكونات الحقيقية لشمال وشرق سوريا، وأثارت انتقادات حادة من دمشق التي اعتبرت المؤتمر محاولة لتجاوز الدولة وإعادة صياغة المشهد السياسي خارج إطار الدستور السوري.
دمشق ترفض التدويل وتتمسك بالشرعية الوطنية
من الناحية الرسمية، رفضت الحكومة السورية أي تدويل لقضية قسد، واعتبرتها مشكلة داخلية يجب أن تحل ضمن إطار الدولة، وأكدت التزامها باتفاق 10 مارس 2025 الذي ينص على دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة.
المحلل القيصري علق على هذا الموقف قائلاً: "الدولة السورية ترى موضوع قسد مشكلة داخلية وليست دولية وترفض تدويلها، وهذا الأمر لعبت عليه قسد بمحاولة إشراك دول في هذا الموضوع".
وأضاف: "الدولة السورية أرادت عدم إحراج أمريكا ورفضت طلبها بالحضور إلى باريس، أما بعد مؤتمر قسد في الحسكة أصبح من حق الدولة السورية عدم الذهاب إلى باريس لأن في هذا المؤتمر تم اختراق اتفاق 10 آذار، وكذلك لأنها أشركت به انفصاليين وفلول النظام".
ويؤكد أن هذه الخطوة عززت موقف دمشق في المقابل السياسي، وأعطتها مبررات قوية للانكفاء عن أي جلسات دولية لمناقشة مستقبل سوريا دون احترام شروطها.
الدعم الدولي لقسد.. فشل متكرر للمؤتمرات
لم تغب الأطراف الدولية الداعمة لقسد عن المشهد، حيث يدعم عدد من الدول الغربية والإقليمية هذه الأطراف لأسباب جيوسياسية، لكن القيصري يعتقد أن دعم هذه الأطراف لم يترجم حتى الآن إلى نجاحات على الأرض.
ورغم الجدل بعد مؤتمر الحسكة يجري الحديث عن مؤتمر آخر سيعقد في بروكسيل، مما قد يعطي هذه القضية طابعاً أكبر على المستوى الدولي.
ويقول القيصري: "نعم هناك أطراف دولية تدفع قسد وهذه الأطراف معروفة للجميع، إلا أن هذا المؤتمر مثل غيره، إذا حدث فهو محكوم بالفشل. قسد قامت بعقد مؤتمرات كثيرة وجميعها فاشلة".
مشيراً إلى أن قسد لم تتمكن حتى الآن من تجاوز التحديات السياسية والإقليمية الداخلية التي تعيق مشروعها.
أوراق القوة بيد دمشق
يضع القيصري الأوراق الأقوى في يد الحكومة السورية، باعتبارها الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليًا، مشيرًا إلى دعم دول الجوار والدول الكبرى لوحدة سوريا.
ويقول: "الحكومة السورية كل الأوراق بيدها، هي الشرعية المعترف بها من كل دول العالم، والدول الإقليمية والعربية وأمريكا وأوروبا جميعهم متفقون على وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وأن الدولة السورية من حقها فرض سيادتها على أراضيها".
ويضيف أن غالبية السكان العرب وغيرهم يشكلون الغالبية الساحقة في المحافظات المعنية، وهم أصحاب الأرض والحق الشرعي.
ويتابع: "الدولة السورية لديها العرب وغيرهم، وهم يشكلون الغالبية العظمى، أي تحرك لهم يخربط كل الأوراق الدولية وينهي أيضًا سيطرة قسد وكذلك كذبة شرعية وجودها".
البعد التركي.. عامل لا يمكن تجاهله
يرى القيصري أن قضية "قسد" ليست محلية فقط، بل ذات بعد إقليمي مهم بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، وهو ما يجعل تركيا شريكًا أساسيًا في المعادلة.
ويقول: "هناك تركيا، وموضوع قسد ليس سوريًا فقط وإنما أيضًا تركي، فقسد هي حزب العمال الكردستاني، وبالتالي لا يمكن أن تسمح تركيا لقسد بالبقاء وافتعال المشاكل التي تنعكس على داخلها بشكل سريع ومباشر".
وتبقى أنقرة لاعبًا رئيسًا يضغط على كافة الأطراف لتغيير الوضع الحالي على الأرض، ما يزيد من تعقيد المشهد بعيداً عنها.
توقعات بمواجهات عسكرية محدودة
في ظل هذه الديناميات المتشابكة، يتوقع القيصري حدوث عمليات عسكرية قريبة لكن محدودة جغرافيًا ونطاقيًا، مستندًا إلى واقع التركيبة السكانية والمواقف السياسية.
ويقول: "قسد عمرها ليس طويلًا، وأتوقع قريبًا عملية عسكرية غير موسعة لأن كل المحافظات سكانها عرب وهم ناقمين على قسد، وسوف تقتصر المعارك في مناطق حدودية معينة ومحددة".
وبالتالي فد جاء مؤتمر الحسكة في إطار محاولات "قسد" لتثبيت وجودها السياسي عبر مشروع دستوري جديد، في مقابل رفض دمشق القاطع وإصرارها على وحدة الدولة وفرض سيادتها. بينما يؤكد عبد الستار القيصري أن الطريق أمام قسد محفوف بالتحديات، وأن الحكومة السورية باتت تملك الأوراق الأقوى في المواجهة السياسية والأمنية.
اقرأ أيضاً|| السويداء بين المناوشات المدروسة والانفجار المؤجل.. باحث سياسي يكشف سيناريو الحل الوحيد
[caption id="attachment_649915" align="alignnone" width="2405"]

بعد مؤتمر الحسكة ورد الحكومة السورية.. تحرك جديد لـ"قسد" وخبير يكشف عن "مواجهة" مقبلة[/caption]
https://youtu.be/F0oe7LMl9_E?si=MS0UlaOxLSrYdQei