اجتياح شامل... وليس اقتحامًا عابرًا
لم يعد الحديث عن اجتياح غزة مجرد تهديدات إعلامية أو ورقة ضغط تفاوضي، بل باتت الوقائع الميدانية والخطط المسربة تشير إلى مشروع متكامل للاحتلال الكامل. ووفقًا لمصادر عبرية، فإن الكابينيت الإسرائيلي يستعد للتصويت على خطة تمتد لعدة أشهر، وتتضمن احتلال مدينة غزة ومحيطها، وإعادة تقسيم القطاع بشكل جذري. الدكتور رامي أبو زبيدة، الباحث في الشأن الأمني والعسكري، يرى، خلال حديث مع وكالة ستيب نيوز، أن "الحديث عن احتلال غزة لا يمكن عزله عن السياق العسكري والواقعي المعقد على الأرض"، موضحًا أن ما يُطرح ليس اقتحامًا خاطفًا، بل خطة متعدّدة المراحل تشمل إخلاء قسري لمدينة غزة، ثم عملية اجتياح تمتد لعدة أشهر، يتخللها تدمير للأنفاق، وعمليات تطهير واسعة، والبحث عن الأسرى. [caption id="attachment_649684" align="alignnone" width="639"]
خلاف داخل المؤسسة الأمنية... هل يدعم الجيش الخطة؟
اللافت في الخطة الإسرائيلية أن الانقسام لا يقتصر على المستوى السياسي، بل يمتد داخل المؤسسة العسكرية نفسها. فبينما تدفع القيادة السياسية باتجاه الحسم العسكري، عبّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وبعض قادة الأجهزة الأمنية عن تحفظاتهم الشديدة، خصوصًا فيما يتعلق بسلامة الأسرى الإسرائيليين داخل غزة، وخطورة الانجرار إلى معارك استنزاف طويلة في بيئة حضرية معقدة. بحسب أبو زبيدة، فإن "أي تقدم بري نحو عمق غزة سيؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة، وقد يفجّر أزمة سياسية داخل إسرائيل في حال فشل الجيش في حماية الرهائن أو تحقيق تقدم ميداني فعلي". ويضيف أن "المقاومة الفلسطينية نجحت خلال الشهور الماضية في إحداث استنزاف نوعي، عبر كمائن محكمة وعمليات مركّبة أوقعت خسائر كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية، وهو ما دفع القيادة العسكرية للتردد مرارًا في دعم خطة الاحتلال الشامل".جاهزية ميدانية... بانتظار قرار سياسي
على الرغم من التردد العسكري، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى مستوى متقدم من الجاهزية التنفيذية. فقد كشفت تقارير عبرية عن تحضيرات لوجستية متقدمة، تشمل إنشاء بنى تحتية مدنية في المنطقة الوسطى من القطاع، يُعتقد أنها ستستخدم كمراكز "إيواء مؤقت" للنازحين، في حال تنفيذ خطة الإخلاء القسري لغزة المدينة. ويرى أبو زبيدة أن "الخطة التي كانت تُطرح سابقًا كورقة ضغط تفاوضي، أصبحت الآن جاهزة ميدانيًا"، موضحًا أن "ما يمنع التنفيذ الفوري هو الحسابات السياسية الدولية، والضغوط الأمريكية التي تطالب بضمان توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين".بين المجاعة المُهندسة والتهجير القسري
أخطر ما في خطة الاحتلال – كما يراها المحللون – هو السيناريو المتكامل للتهجير السكاني. وتُظهر التقارير الإسرائيلية أن الخطة تتضمن فصل مدينة غزة عن الوسط والجنوب من خلال إعادة فتح محور نتساريم، وإنشاء منطقة عازلة تفصل بين الأجزاء الثلاثة للقطاع، ويتم هذا الفصل بالتوازي مع حصار غذائي خانق، هدفه إجبار السكان على النزوح تحت ضغط الجوع ونقص الخدمات الأساسية. ويحذر أبو زبيدة من "استخدام مصطلحات إنسانية خادعة مثل ’النزوح الطوعي‘ و’المناطق الآمنة‘ لتغطية التهجير القسري"، مؤكدًا أن ما يجري هو هندسة مجاعة سياسية، تُستخدم فيها المساعدات كوسيلة ضغط، وليس كحق إنساني. ويضيف: "الهدف هو دفع أكثر من 900 ألف مواطن من غزة إلى
مصر في دائرة الخطر... والحدود تحت الضغط
من السيناريوهات المرعبة التي يطرحها أبو زبيدة أن "تحول النزوح الجماعي من غزة إلى الجنوب، ثم تراكم عشرات الآلاف قرب الحدود المصرية، سيشكل ضغطًا خطيرًا على القاهرة". ويشير إلى أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى "انفجار شعبي عند المعبر، يُراد به دفع مصر إلى فتحه أو قبول تدفق اللاجئين، وهو ما أعلنته القاهرة مرارًا أنه خط أحمر يرتبط بالأمن القومي المصري". ويتابع: "في حال انهيار المنظومة المدنية بالكامل داخل غزة، واحتمال غياب الإغاثة أو السيطرة الإدارية، فإن مشهد الانفجار على الحدود لن يكون مستبعدًا"، معتبرًا أن ذلك قد يضع مصر أمام اختبار حساس بين ثوابت الأمن القومي ومواجهة الكارثة الإنسانية.لا موقف عربي حاسم... بل تمويل مشبوه
يرى أبو زبيدة أن الموقف العربي لا يرتقي إلى مستوى الخطر المحدق، قائلاً: "حتى اللحظة، لا يوجد تحرك عربي منصف وفاعل قادر على ردع الاحتلال وخططه". ويضيف أن "كل ما نشهده هو بيانات تحذيرية لفظية، دون خطوات سياسية عملية أو تصعيد دبلوماسي". الأخطر – بحسبه – هو ما كشفته تقارير عبرية عن تمويل جزئي من جهات عربية للبنية التحتية المدنية التي تعتزم إسرائيل إنشاؤها كبديل لمناطق النزوح، وهو ما يُثير علامات استفهام حول مستوى التورط أو التسهيل غير المباشر لهذه الخطط، سواء عن قصد أو نتيجة تواطؤ تحت الطاولة. وفيما يخص الموقف الأميركي، تشير الوقائع إلى أن إدارة ترامب لم تعارض الخطة علنًا، لكنها طالبت بتوفير الغذاء والمساعدات. ويُفهم من ذلك – بحسب مراقبين – أن الضوء الأخضر الأميركي موجود، لكنه أُعيدت صياغته بلغة إنسانية، تُبقي لإسرائيل حرية الحركة العسكرية، بشرط عدم الوصول إلى كارثة إنسانية كاملة تضع واشنطن في مرمى الانتقادات الدولية.ثلاث سيناريوهات محتملة خلال الأشهر القادمة
وفقًا للتحليل العسكري والاستراتيجي للدكتور أبو زبيدة، فإن المرحلة المقبلة مفتوحة على ثلاث مسارات رئيسية:- تقسيم القطاع وتثبيت واقع تهجيري دائم
- عملية اجتياح واسعة لمركز القطاع
- استنزاف طويل دون اجتياح شامل
