في خطوة غير مسبوقة بين دمشق وعمّان، أعلنت سوريا والأردن الاتفاق على تنفيذ مشروع استمطار اصطناعي مشترك في منطقة حوض نهر اليرموك، وذلك في إطار الجهود المشتركة لمواجهة تحديات ندرة المياه وتراجع الهطل المطري، ودعم الاستدامة المائية في المنطقة الحدودية.
مشروع استراتيجي لتعزيز الأمن المائي
الإعلان جاء خلال أعمال الاجتماع الثاني للجنة الفنية الأردنية السورية المشتركة للمياه، الذي استضافته العاصمة دمشق، بحضور أمين عام سلطة وادي الأردن، هشام الحيصة، ومعاون وزير الطاقة السوري، أسامة أبو زيد، وفق ما أوردته قناة "المملكة".
واتفق الجانبان على تعزيز آليات التعاون الفني في مجالات إدارة الموارد المائية المشتركة، عبر إجراءات جديدة تشمل تنفيذ مشروع الاستمطار، ومراقبة السدود، وتطوير أنظمة التحكم عن بعد بالمصادر المائية، بما يسهم في تحسين الأمن المائي لكلا البلدين.
خلفية الاتفاق: تراجع الحصص المائية وتحديات مناخية
الاتفاق الجديد يأتي بعد اتفاق سابق في مطلع يوليو 2025، أكّد على ضرورة ضمان توزيع عادل لمياه نهر اليرموك، وهو النهر الذي يشكل موردًا مائيًا حيويًا للجانبين، في ظل تراجع كميات المياه الواردة إليه، والتي انخفضت فعليًا إلى ما دون 50 مليون متر مكعب سنويًا، مقارنة بـ200 مليون متر مكعب متفق عليها في اتفاقية عام 1987.
وفي هذا السياق، صرّح عمر سلامة، مساعد الأمين العام لشؤون الإعلام في وزارة المياه الأردنية، أن المرحلة المقبلة ستشهد تنفيذ مشاريع رقابة وتحكم مشتركة، بما في ذلك دعم جهود الاستمطار، كأداة للتعامل مع الواقع المناخي المتغير وندرة الموارد.
الاستمطار في حوض اليرموك: آلية علمية وتطبيق إقليمي
في حديث خاص لوكالة "ستيب نيوز"، يوضح الدكتور محمد الفرجات، الخبير الجيولوجي، أن مشروع الاستمطار (Cloud Seeding) يقوم على رش مواد محفّزة داخل السحب مثل يوديد الفضة أو جليد جاف، باستخدام طائرات أو تقنيات أرضية، ما يساعد على تسريع عملية تكوّن قطرات المطر.
وقال الفرجات: "الاستمطار لا يُنتج مطرًا من العدم، بل يُستخدم لتحفيز السحب المشبعة بالبخار على الهطول، وتُظهر الدراسات أن نتائجه قد تزيد كميات الأمطار بنسبة تتراوح بين 5% إلى 30%، لكنها تبقى تقنيات لتحسين المطر وليس توجيهه بدقة أو التحكم بموعده."
ورغم أن خبرة الأردن في هذا المجال ما تزال محدودة، إلا أنه يمتلك تجربة تقنية متقدمة نسبيًا على مستوى الإدارة والرقابة المائية، وقد بدأ فعليًا نقل هذه الخبرة إلى سوريا ضمن إطار التعاون الفني الجديد.
هل يمكن أن تسهم الاستمطار في تغذية المياه الجوفية؟
يشير الدكتور الفرجات إلى أن الاستمطار قد يساهم جزئيًا في تغذية الطبقات الجوفية، خصوصًا في المناطق ذات التربة المناسبة والقدرة على الامتصاص، لكنه يُحذر من المبالغة في التوقعات.
ويضيف: "الفعالية تعتمد على عدة عوامل مثل نوع التربة ومعدلات الارتشاح، ولا توجد حتى الآن دراسات علمية حاسمة حول مدى تأثير هذه التقنية على تغذية الآبار أو الحد من الجفاف مباشرة."
وقد ناقش الجانبان هذه المسألة في إطار دراسات الحوض، لكنها لا تزال بحاجة إلى تقييم علمي دقيق.
السدود السورية: نقطة خلاف وحل محتمل
واحدة من أبرز النقاط الحساسة في ملف المياه المشترك هي السدود السورية المنتشرة على روافد اليرموك، والتي يقدر عددها بين 38 إلى 50 سدًا، وهو عدد يتجاوز ما تسمح به الاتفاقيات الثنائية.
وأكد الدكتور الفرجات أن هذه السدود كانت أحد الأسباب الرئيسية في تراجع تدفق المياه إلى الأردن، واصفًا الأمر بأنه "خلل هيكلي في الالتزامات السابقة".
واقترح عدة إجراءات يمكن أن تسهم في تحسين الوضع، من بينها: (إدارة مشتركة للسدود على جانبي الحوض، واستخدام فترات الهطول المرتفعة لتصريف مياه مدروسة باتجاه الأردن، وتركيب أنظمة رقابة متطورة لتتبع مستويات المياه والإطلاق، بما يضمن عدالة في التوزيع).
نحو إدارة مائية مستدامة: متطلبات فنية وسياسية
الاتفاق الأردني السوري الأخير يتجاوز الجوانب التقنية، ليشكل مؤشرًا على تحسن العلاقات الثنائية في ملف المياه، ويؤسس لتعاون أوسع في مواجهة أزمة المناخ المتفاقمة.
ويرى الدكتور الفرجات أن تحقيق استدامة مائية حقيقية يتطلب أكثر من اتفاقيات حسن نية، بل يشترط تطوير بيئة فنية ومؤسسية طويلة الأمد، عبر: مراجعة اتفاقية 1987 وتحديثها لتتناسب مع التغيرات المناخية والواقع الديموغرافي، وتنفيذ مشاريع رقابة مركزية مثل مركز تحكم مشترك، وتبادل شفاف للبيانات بين الجانبين حول السدود والهطولات والآبار.
إضافة إلى دعم القدرات الفنية الوطنية للطرفين، وتدريب فرق مشتركة على تقنيات المياه الحديثة، والتعاون في إدارة الطوارئ المائية والتعامل مع حالات الجفاف والفيضانات.
هل نحن أمام تحوّل في العقلية المائية الإقليمية؟
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن مشروع الاستمطار في حوض اليرموك ليس مجرد تجربة تقنية معزولة، بل خطوة ضمن تحول أوسع في فهم واستغلال الموارد المائية المشتركة، وسط ضغوط مناخية وجغرافية متزايدة.
الرهان الأكبر اليوم يكمن في تحويل الاتفاقات السياسية إلى بنى تنفيذية واقعية، تضمن حقّ الشعوب في مياهها، وتضع قواعد جديدة للتعاون في واحد من أكثر ملفات الشرق الأوسط تعقيدًا وحساسية وهو المياه.
اقرأ أيضاً|| التمويل العقاري في سوريا.. مشروع بملامح كندية ودنماركية وخبير يكشف شروط نجاحه
[caption id="attachment_649567" align="alignnone" width="2405"]

استمطار اصطناعي في حوض اليرموك لأول مرّة.. اتفاق سوري أردني واعد وخبير يوضح التحديات[/caption]