في وقتٍ تتصاعد فيه دعوات إسرائيلية لفرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة، وتغوص فيه واشنطن أكثر فأكثر في دعمها غير المشروط لتل أبيب، تظهر مؤشرات جديدة على أن القطاع قد يكون أمام أحد أخطر فصول الصراع منذ عقود، مع غياب أي أفق لحل سياسي أو إنساني شامل.
"الاحتلال الكامل" يعود إلى الواجهة
عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعًا أمنيًا مطوّلًا، طرح فيه مجددًا خيار الاجتياح الشامل لقطاع غزة، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق ما سمّاه "أمنًا دائمًا".
ووفق مصادر صحفية، فإن نتنياهو يضغط باتجاه فرض معادلة جديدة على الأرض، تسقط فيها حماس، وتُستعاد خلالها السيطرة الميدانية الكاملة على كامل أرجاء القطاع.
لكن هذا الخيار لم يحظَ بالإجماع داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. فقد أبدى رئيس الأركان، إيال زمير، اعتراضه على خطة الاحتلال، معتبرًا أنها ستفتح بابًا طويلًا من الخسائر البشرية والعسكرية في بيئة قتالية معقّدة، وسط تحذيرات من انزلاق الجيش إلى "مستنقع استنزاف" جديد يشبه ما جرى في لبنان سابقًا.
توافق أمريكي-إسرائيلي... وخلافات شكلية فقط
في هذا السياق، يوضح الدكتور إياد القرا، المحلل السياسي الفلسطيني، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز، أن "مستوى التوافق بين الولايات المتحدة وإسرائيل في التعامل مع الملف الفلسطيني – وتحديداً قطاع غزة – يُعدّ في أفضل مراحله، رغم ظهور بعض الخلافات الشكلية بين الجانبين".
ويشير القرا إلى أن هذا التوافق يتجلى بوضوح في إدارة الملفين السياسي والميداني، سواء عبر الدفع نحو صفقة تبادل أسرى، أو من خلال التصعيد العسكري المُمنهج. ويضيف: "بات واضحًا أن إسرائيل توظف الضغط العسكري كأداة للتفاوض، وليس بالضرورة لتحقيق انتصار ميداني حاسم".
غزة تختنق والمجتمع الدولي يتململ
بينما تتبادل الأطراف خطط الاحتلال والضغط والتفاوض، يعاني سكان قطاع غزة من وضع إنساني كارثي. وقد وثّقت تقارير وفاة ثمانية مدنيين خلال يومين فقط، بسبب الجوع ونقص المواد الأساسية، ما دفع منظمات دولية كالأمم المتحدة والصليب الأحمر لإطلاق نداءات استغاثة عاجلة.
الدكتور القرا يؤكد أن "الضغوط الدولية، خاصة تلك المرتبطة بأزمة المجاعة، أحرجت الولايات المتحدة ودفعتها إلى ممارسة ضغط خافت على إسرائيل لاتخاذ خطوات شكلية، دون أي تغيّر جوهري في سياسات الحصار". ويشدد على أن "سياسة التجويع فشلت في كسر إرادة المقاومة، لكنها نجحت في إحراج داعمي إسرائيل أمام الرأي العام الدولي".
المقاومة تتكيّف... والاحتلال يستنزف
ميدانيًا، يبدو أن الفصائل الفلسطينية، رغم الخسائر الثقيلة التي لحقت بها، لم تخرج من المعركة. يوضح القرا أن "المقاومة انتقلت إلى نمط دفاعي أكثر مرونة وواقعية، يعتمد على تنفيذ عمليات نوعية محدودة"، مشيرًا إلى أن هذه العمليات تهدف إلى إيقاع خسائر متكررة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يُربك حسابات تل أبيب ويؤثر على معنويات جبهتها الداخلية.
وبحسب القرا، فإن عملية "عربات جدعون"، التي نُفذت قبل أشهر بهدف تحرير الأسرى الإسرائيليين، لم تحقق شيئًا ملموسًا على الأرض، بل أدت إلى دمار واسع وخسائر بشرية تجاوزت 43 قتيلًا إسرائيليًا، وهو ما يضع علامة استفهام كبرى حول جدوى الرهان على الخيار العسكري.
ويضيف القرا: "هناك إدراك إسرائيلي كامل بأن إطلاق سراح الأسرى لن يتم عبر الخيار العسكري، لكن المؤسسة الأمنية والسياسية في تل أبيب قد تلجأ لتكثيف العمليات العسكرية بغرض تحسين شروط التفاوض مع حركة حماس والفصائل الأخرى".
مفاوضات سياسية مجمدة... وصفقة تنتظر من يوقّعها
ورغم الجمود السياسي الظاهر، يلفت القرا إلى أن "الفصائل الفلسطينية – وعلى رأسها حماس – قدّمت مرونة واضحة في ملفات حساسة، شملت إدارة المساعدات، وتبادل الأسرى، وحتى عدم المشاركة في حكم القطاع مستقبلاً"، في مسعى واضح لفتح نافذة تفاوض جديدة.
غير أن هذه المرونة، بحسب القرا، لم تُقابل بأي تجاوب أمريكي، بل إن "المبعوث الأمريكية ويتكوف كان أكثر تشددًا من بعض الإسرائيليين، وقد لعب دورًا سلبيًا في اللحظات التي كان يُفترض فيها إعلان تقدم حقيقي في المفاوضات".
ويضيف: "اللافت أن ويتكوف هي من مهدت لانسحاب واشنطن من عملية التفاوض، ونشرت أجواءً سلبية في الوقت الذي كان يُفترض فيه إعلان تقدم ملموس، إذ إن 90% من بنود التفاوض كانت قد حُسمت، بحسب تصريحها نفسها".
ويطرح القرا تساؤلًا جوهريًا حول ما إذا كان انسحاب واشنطن من المسار التفاوضي جاء تمهيدًا لصفقة شاملة تشمل وقف الحرب، والبدء بإعادة الإعمار، وتثبيت وضع إنساني آمن في القطاع. لكنه يُبقي الباب مفتوحًا أمام الفشل، في ظل غياب أي ضمانات دولية تُلزم إسرائيل بما يُتفق عليه.
[caption id="attachment_649514" align="alignnone" width="546"]

الدكتور إياد القرا، المحلل السياسي الفلسطيني[/caption]
حرب طويلة بلا أفق... وملف في مهب الريح
في قراءة القرا، يبدو المشهد محكومًا بتفاهمات إسرائيلية-أمريكية تُوظف الضغط العسكري كأداة تفاوض، في مقابل مقاومة فلسطينية تُكيّف نفسها مع واقع معركة طويلة النفس، تسعى خلالها لتثبيت معادلة "المرونة السياسية مقابل الصمود العسكري".
لكن الحقيقة الأبرز، بحسب مراقبين، أن غياب الضمانات، وانحياز الولايات المتحدة الكامل للموقف الإسرائيلي، يجعلان من أي اختراق تفاوضي مجرّد وهم مؤجل... أو هدنة مؤقتة على طريق تصعيد أكبر.
اقرأ أيضاً|| تسونامي اعترافات بدولة فلسطين.. السعودية تضع إسرائيل في "الزاوية" واستنفار في تل أبيب قبل سبتمبر
[caption id="attachment_649509" align="alignnone" width="2405"]

غزة بين مطرقة الاجتياح الإسرائيلي وسندان الانهيار الإنساني.. خبير يكشف آخر مخططات نتنياهو[/caption]
إعداد: جهاد عبد الله
https://youtu.be/Xsf3vCmXGCI?si=Z5_nh8xIEaq9U4Gx