ازدواجية أمريكية؟ بين الوعود والمصالح
رغم اللهجة التصالحية لواشنطن، فإن خبراء مصريين يرون في التحركات الأمريكية الأخيرة محاولات مزدوجة: الظهور كوسيط سلام من جهة، وممارسة ضغوط خفية لإعادة رسم التوازنات في المنطقة من جهة أخرى. ويقول الخبير في العلاقات الدولية، هاني الجمل، في حديث لوكالة ستيب نيوز: "الإدارة الأمريكية دائمًا ما تتعامل بوجهين؛ أحدهما ظاهري يُروّج لمواقف إنسانية ودبلوماسية، والآخر خفي يُعبّر عن نواياها الحقيقية تجاه إعادة تشكيل الأوضاع في المنطقة، مثل الضغط على مصر للقبول بتهجير الفلسطينيين أو تفكيك سوريا على أسس طائفية وعرقية."عودة ترامب للملف: وساطة أم دعاية؟
تصريحات ترامب بشأن سد النهضة ليست جديدة؛ فقد سبق له عام 2020 أن قاد وساطة جمعت مصر والسودان وإثيوبيا في واشنطن، لكن المفاوضات انهارت بعد انسحاب أديس أبابا في اللحظة الأخيرة.
أمن مصر المائي ومخاطر السد
ترى مصر أن التهديد الحقيقي لا يكمن فقط في فقدان المياه، بل في مخاطر السد الجيولوجية والزلزالية، خاصة أنه مقام على أرض بركانية في منطقة نشطة زلزاليًا. ويقول الجمل: "المطلب المصري لا يزال يتمحور حول توقيع اتفاق ملزم يضمن حقوقها التاريخية، وهي 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، إضافة إلى حصة السودان البالغة 18.5
القاهرة ترفض التهجير: لا لـ"مدينة الخيام"
بموازاة أزمة سد النهضة، تتصاعد الضغوط الإسرائيلية–الأمريكية بشأن ملف غزة واللاجئين الفلسطينيين، إذ تحاول واشنطن طرح مقترحات منها إقامة "مدينة إنسانية" مؤقتة في سيناء للفلسطينيين. لكن مصر رفضت هذا المقترح بشكل قاطع، حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين مصريين تأكيدهم أن "أي محاولة لفرض تهجير قسري للفلسطينيين إلى سيناء هي خط أحمر"، وسط دعم من دول عربية. ويعلّق الجمل: "مصر أوقفت مخططات أمريكية وإسرائيلية تهدف إلى توطين الفلسطينيين في سيناء تحت مسمى المدينة الإنسانية، ورفضت هذه الطروحات التي تمثّل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري."العلاقات الثنائية: بين دفء شخصي وتوتر مؤسسي
على الرغم من العلاقة الشخصية الدافئة التي جمعت ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الولاية الأولى، فإن العلاقات المؤسسية بين البلدين شهدت فترات توتر وفتور. ويقول الجمل: "العلاقات بين الرئيسين كانت جيدة خلال ولاية ترامب الأولى، لكن التوتر عاد بعد أن أفشلت مصر صفقة القرن، ورفضت الضغوط الأمريكية المرتبطة بالقضية الفلسطينية واللاجئين." ويضيف: "مصر حذّرت أيضًا من محاولات تنصيب شخصيات راديكالية في سوريا، باعتبارها مدعومة أمريكيًا، وهو ما يتقاطع مع الأجندة الإسرائيلية لتفتيت الدول العربية وتوسيع نفوذها في الجنوب السوري واللبناني." كما أن تطور العلاقات المصرية الروسية، والمصرية الصينية، لا سيما في المجال العسكري، بات يزعج واشنطن التي لا ترغب بفقدان تحالفها مع القاهرة.ما بعد التصريحات... من يضمن التنفيذ؟
رغم ترحيب القاهرة بتصريحات ترامب الأخيرة، فإن الحذر لا يزال سيد الموقف، خصوصًا بعد التجارب السابقة التي لم تُثمر عن حلول فعلية. فهل ستكون واشنطن أكثر جدية هذه المرة؟ وهل تتراجع إثيوبيا عن تعنّتها؟ وهل نشهد انفراجًا حقيقيًا في العلاقات المصرية–الأمريكية بعد أشهر من التوتر؟ كلها أسئلة مرهونة بالفعل السياسي لا بالتصريحات، وهو ما عبّر عنه الجمل بوضوح حين قال: "التصريحات الأمريكية لا تحتاج إلى ميكروفونات، بل إلى إرادة تنفيذية صارمة واتفاقات مكتوبة تضمن الأمن المائي والسيادي لمصر." [caption id="attachment_647695" align="alignnone" width="2405"]