في واقعة أثارت موجة غضب واستياء داخل الأوساط القضائية والحقوقية السورية، كشف القاضي المناوب في قضايا الجرم المشهود، أحمد حسكل، عن تعرضه لاعتداء جسدي ولفظي عنيف من قبل عدد من عناصر قسم الأمن العام في حي الصالحين بمدينة حلب، أثناء أدائه لمهامه الرسمية مساء السبت الماضي، فيما أصدرت وزارة العدل بياناً بتفاصيل الحادثة.
بداية الحادثة
بحسب رواية القاضي التي تداولها زملاؤه عبر "فيسبوك"، فقد تلقى عند الساعة 11:50 ليلاً بلاغاً من قسم شرطة الصالحين يفيد بوقوع جريمة قتل، ونُقلت الجثة إلى مشفى حلب الجامعي، فسارع القاضي إلى الموقع برفقة سائقه.
وعند وصوله، وأمام حشود من ذوي الضحية، وجّه القاضي تعليماته بنقل الجثة إلى الطبابة الشرعية وفتح الضبط هناك، إلا أن أحد عناصر الشرطة، برتبة مساعد، بدأ بإجراءات الضبط أمام باب المشفى دون انتظار نقل الجثة، ما اضطر القاضي للنزول والتدخل بنفسه لتصحيح المسار.
من التوتر إلى الاعتداء العنيف
بعد تدخله وعودته إلى سيارته، اقترب منه شخص مجهول وواجهه بعبارات مهينة، قبل أن يصفعه أمام الحاضرين، والقاضي، وبشكل لا إرادي، رد الصفعة، ليتعرض بعدها لهجوم عنيف من عدة عناصر أمنية، تبيّن لاحقاً أن من بينهم رئيس قسم الأمن العام في حي الصالحين.
وبحسب الشكوى، فقد أمر الأخير بوضع القاضي في مؤخرة سيارة الشرطة بطريقة مهينة، إلى جانب أحد الموقوفين، وسط هتافات وشتائم من العناصر الحاضرة.
سلسلة اعتداءات داخل القسم
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فقد تعرض القاضي لمزيد من العنف داخل قسم الشرطة، إذ دُفع بقوة على السلالم ما تسبب بإصابات في الرأس، ثم نُقل إلى غرفة حيث تعرض للضرب المبرح مع تكرار وصفه بـ"الشبيح".
وفي وقت لاحق، اقتيد إلى زنزانة انفرادية، ثم أُخرج فجر اليوم التالي، ليشهد موجة جديدة من الضرب والإهانات، مترافقة مع تهديدات بالقتل إذا ما عاد إلى عمله أو قدّم شكوى.
تدخل رسمي من السلطة القضائية
قرابة الساعة العاشرة والنصف صباحاً، حضر المحامي العام بحلب وقاضي التحقيق الأول إلى القسم، وحين أُخرج القاضي من الزنزانة تلقى ضربة جديدة من رئيس القسم أمام الجميع.
وعند انتقاله إلى القصر العدلي ولقائه برئيس العدلية، فوجئ الأخير بآثار الضرب الواضحة، مما دفعه إلى إبلاغ وزير العدل، الذي تولى القضية بشكل مباشر.
بيان وزارة العدل
وفي بيان رسمي صدر لاحقاً، أكدت وزارة العدل أنها تحركت فوراً بعد ورود معلومات عن الحادثة، حيث كثّف وزير العدل اتصالاته مع الجهات المعنية، وتواصل شخصياً مع وزير الداخلية الذي أدان الحادثة بشدة، ووجّه باتخاذ إجراءات فورية بحق المتورطين.
وقد تم توقيف جميع المتهمين بالاعتداء، وفتح تحقيق عاجل، وأحيل الملف إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.
وشدد البيان على أن الوزارة ملتزمة تماماً بحماية القضاة وضمان استقلال السلطة القضائية، محذرة من الانسياق وراء الشائعات، لا سيما المزاعم المتعلقة بعمل القاضي حسكل في محاكم الإرهاب الملغاة، وهو ما نفته الوزارة بشكل قاطع.
واختُتم البيان بالتأكيد على أن سُبل المحاسبة يجب أن تتم ضمن الإطار القانوني، داعيةً الجميع إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات خارج سلطة القانون.
ردود فعل حقوقية وقانونية
واعتبر المحامي باسل المانع أن ما حدث يمثل تجاوزاً خطيراً لهيبة القضاء، ودليلاً على تراجع مكانة القانون، مؤكداً ثقته بأن وزارتي العدل والداخلية ستقومان بواجباتهما في المحاسبة.
أما المحامي عارف الشعال، فوصف الحادث بأنه طعنة مؤلمة لقيم الثورة، مطالباً بإعادة النظر في ذهنية بعض العناصر الأمنية الذين يرون في كل موظف دولة عدواً.
[caption id="attachment_642359" align="alignnone" width="2405"]

قاضٍ يتعرض للضرب والإهانة من عناصر أمن في حلب... ووزارة العدل تصدر بياناً[/caption]