وُلد أبو فراس الحمداني عام 932 م (320 هـ) في الموصل، العراق، ضمن الأسرة الحمدانية التي حكمت مناطق في شمال سوريا والعراق. كان اسمه الكامل الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الرَّبَعي ويُكنى بأبي فراس. توفي أبوه مبكرًا، فتكفل به ابن عمه سيف الدولة الحمداني، أمير حلب، الذي كان شاعرا ومحاربا شهيرا مما أثر في تكوين أبي فراس الأدبي والعسكري.
انضم أبو فراس إلى جيش سيف الدولة، وشارك في معارك ضد البيزنطيين. في إحدى المعارك عام 959 م (أو 962 وفق بعض المصادر)، أُسر أبو فراس بعد هزيمة قواته قرب مدينة حلب، ونُقل إلى القسطنطينية حيث بقي أسيرا نحو أربع سنوات. خلال أسره، كتب أشهر قصائده المعروفة بـ "الروميات"، التي عبر فيها عن حنينه للوطن وطلب النجدة من سيف الدولة، ممزوجةً بفخرٍ بالشجاعة والصبر.
إبداعه الشعري:
يُعتبر أبو فراس من أبرز شعراء العصر العباسي، وتميزت قصائده بـ:
- الروميات:قصائد حزن وحكمة كتبها في الأسر، تجسد الصراع
- الغزل والفخر: عبر عن مشاعره الجياشة وافتخار بنسبه العربي وقبيلة تغلب.
- المراثي: خصوصا مرثيته المؤثرة في أمه، التي كانت من أصل بيزنطي (جارية)، مما أضاف بعدا ثقافيا لتجربته.
الصراعات السياسية والوفاة:
بعد إطلاق سراحه، دخل في صراع مع ابن أخيه سعد الدولة حول خلافة سيف الدولة، الذي توفي عام 967 م. قُتل أبو فراس في معركة ضد قوات ابن أخيه عام 968 م (357 هـ) عن عمر 36 عامًا، منهيًا حياة حافلة بالشعر والحروب.
الإرث الثقافي:
ترك أبو فراس ديوانا شعريا يُدرس كجزء من التراث الأدبي العربي، حيث تميزت قصائده بالصدق العاطفي والبلاغة. يُذكر كرمز للفارس الشاعر الذي جمع بين السيف والقلم، مؤثرا في أجيال لاحقة من الشعراء مثل المتنبي، الذي مدح سيف الدولة أيضًا.
أبو فراس الحمداني ليس مجرد شاعر بل نموذجا للعالم العربي الوسيط، حيث تتقاطع الثقافة والسياسة والحرب. تبقى "رومياته" شاهدا على قدرة الشعر على تجاوز حدود الزمن، تحمل في أبياتها روح إنسانٍ جمع بين قسوة المعارك ورقّة المشاعر.
