
قرية العصر البرونزي مدفونة تحت صخور البازلت
يقع وادي خيبر على أطراف حقل حرة خيبر البركاني، حيث تشكلت واحة خيبر عند التقاء ثلاثة أودية في منطقة ذات مناخ جاف. على الأطراف الشمالية لهذه الواحة، اكتُشفت قرية "النطاة" الأثرية التي كانت مدفونة تحت طبقات من صخور البازلت لمئات السنين. كشفت الحفريات أن بلدة النطاة، التي يعود تاريخها إلى ما بين 2400 و1500 قبل الميلاد، كانت تتكون من منطقة مركزية وأخرى سكنية محاطة بجدار دفاعي، كما احتوت على مقبرة توضح ممارسات دفن تشير إلى تفاوت اجتماعي بسيط.وادي خيبر يكشف أسرار "التحضر المنخفض" ويعيد رسم بدايات الحياة الحضرية في الجزيرة العربية
توصل الباحثون إلى تقدير يقارب 500 نسمة لسكان بلدة وادي خيبر الأثرية، التي تتميز بتصميم وتنظيم مشابه لمواقع أثرية أخرى من العصر البرونزي المبكر والمتوسط المنتشرة في شمال الجزيرة العربية. إلا أن بلدة خيبر، رغم تشابهها مع تلك المواقع، كانت أقل تعقيداً من الناحية الاجتماعية والسياسية بالمقارنة مع مثيلاتها في بلاد الشام وبلاد الرافدين، التي شهدت نشوء مراكز حضرية معقدة وقوة سياسية متطورة. ويشير هذا الاكتشاف إلى وجود "تحضر منخفض" في الجزيرة العربية، وهو مفهوم يعبر عن مرحلة انتقالية نحو النمط الحضري المبسط، حيث كانت الجزيرة موطناً لمجموعة من البلدات الصغيرة المحصنة التي تبرز بدايات التمدن ونشوء المجتمعات المستقرة. هذه المستوطنات، رغم حجمها الصغير، تشكل علامة بارزة على التحول من المجتمعات البدوية إلى الحياة الحضرية المستقرة، ما يكشف عن تطور تدريجي في البنية الاجتماعية والتنظيمية لأهل المنطقة.وادي خيبر: من مجتمع رعوي إلى مركز حضري مستقر
في وادي خيبر، بدأت تتشكل مراكز حضرية ذات أهمية كبيرة دعمت استقرار مجتمعاتها. قاد فريق البحث عالم الآثار جيوم شارلو من المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا، مشيرًا في دراسته إلى أن وادي خيبر يمثل مرحلة الانتقال من الحياة الرعوية المتنقلة إلى المستوطنات الحضرية المستقرة. وتبرز الدراسة أن مناطق مثل خيبر لم تكن مجرد مراكز زراعية فحسب، بل أيضًا محاور تجارية حيوية تفاعلت مع المجتمعات المتنقلة، ما أثر بعمق على النموذج الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة خلال العصر البرونزي.