سد إثيوبيا ومستقبل مصر والسودان المائي.. هل تتناقص حصة المياه للبلدين
نشر في
02 نوفمبر, 2024
|
94 مشاهدة
سد إثيوبيا، الذي شُيد على النيل الأزرق، أصبح محور مفاوضات مضنية استمرت لأكثر من عشر سنوات بين إثيوبيا، السودان، ومصر، حيث تحولت هذه المحادثات المتقطعة والمثيرة للجدل إلى واحدة من أبرز الأزمات العالمية حول تقاسم الموارد المائية. وبينما تعثرت الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق حول عمليتي ملء وتشغيل السد، تُحضر هذه الأزمة الخلافات التاريخية ووجهات النظر المتباينة حول اتفاقيات قديمة مثل اتفاقيتي 1902 و1959، اللتين تعتبرهما إثيوبيا غير منصفة بحقها. سد إثيوبيا اليوم لا يمثل مجرد مشروع تنموي، بل يعكس تعقيدات سياسية وتاريخية عميقة حول حق المياه والموارد.
ملأ ثانٍ وسط اتهامات وتصاعد التوترات الإقليمية
تستعد إثيوبيا للمرحلة الثانية من ملأ سد إثيوبيا العملاق بالتزامن مع موسم الأمطار المرتقب في مطلع يوليو/تموز، ما أثار ردود فعل مصرية وسودانية غاضبة تتهم إثيوبيا بفرض سياسة الأمر الواقع، من خلال المضي قدماً في استكمال السد وفق شروطها الخاصة. هذا التصعيد قد يخلّف تداعيات عميقة على مصر والسودان، حيث يُتوقع أن يؤدي إلى تراجع حصتيهما التاريخية من مياه النيل، ما يهدد بتبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة على المدى المتوسط والطويل.وتستعرض هذه التغطية التحليلية الشاملة الجوانب المتعددة لأزمة سد إثيوبيا، بدءاً من التأثيرات السياسية والاقتصادية وصولاً إلى سيناريوهات ملء السد وتداعياته المحتملة، خاصة على مصر بوصفها الأكثر تأثراً كدولة مصب. كما تُقدم تسلسلاً زمنياً للاتفاقيات التي جمعت دول حوض النيل منذ أوائل القرن العشرين، مستعرضةً التحولات في مواقف الدول واحتمالات حل الأزمة.
سد إثيوبيا: العملاق المائي الذي يعيد تشكيل مجرى النيل
بدأت إثيوبيا مشروع بناء سد إثيوبيا العملاق المعروف بسد النهضة في أبريل/نيسان 2011، حيث يقع على مجرى النيل الأزرق في ولاية بني شنقول قماز، بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، وعلى بُعد 980 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا. يتكون السد من هيكلين رئيسيين: السد الرئيسي الخرساني بارتفاع 155 متراً، والذي يخزن حوالي 14 مليار متر مكعب من المياه، بالإضافة إلى سد "السرج" الركامي، الذي بُني من ركام الصخور وطبقة خرسانية بسمك نصف متر وطول 4800 متر وارتفاع 55 متراً، ويُعتبر احتياطيًا مكملًا يخزن نحو 60 مليار متر مكعب من المياه.يسمح سد السرج بتصريف أي مياه فائضة من الخزان الأساسي إلى المجرى الرئيسي للنيل، وقد أعلنت إثيوبيا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عن انتهاء بناء هذا الجزء. ومن المتوقع أن يُكتمل بناء السد الرئيسي بحلول أوائل عام 2023. وفي هذا السياق، يقدم الإنفوغراف المرافق معلومات أساسية عن سد النهضة وقدرته على إنتاج الكهرباء مقارنة بالسد العالي في مصر، مما يبرز الأبعاد الاقتصادية لهذا المشروع الضخم وتأثيراته المحتملة على المنطقة.
المطالب الجغرافية وصراع المياه في حوض النيل
ماذا تريد إثيوبيا حقًا من مشروع سد إثيوبيا العملاق؟ تطالب أديس أبابا بما تسميه "الحقوق الجغرافية"، حيث تنبع نحو 80% من مياه النيل من أراضيها. وتستمر في رفض بنود اتفاقيتي 1929 و1959 بشأن تقاسم مياه النيل، خصوصًا الشرط المتعلق بالحصول على الموافقة المصرية المسبقة على مشاريع الري في دول المنبع. وتصر إثيوبيا على أن تُنجز فترة ملء بحيرة السد في سبع سنوات على الأكثر، مع ضرورة استمرار التخزين على مدار السنة.تعتبر أديس أبابا أن الكمية السنوية التي تطلبها مصر والبالغة 40 مليار متر مكعب ستعوق قدرتها على ملء السد في الوقت المحدد وإنتاج الكهرباء. كما ترفض إثيوبيا وجود خبراء مصريين أثناء عملية ملء السد أو الإدارة المشتركة له، فضلاً عن أي اقتراحات تتعلق بفتح فتحات إضافية في السد. هذه المطالب تبرز توتر العلاقة بين الدول الثلاث، وتثير التساؤلات حول مستقبل التعاون في إدارة الموارد المائية في المنطقة.
سد إثيوبيا: السودان بين المطالب والمخاوف
ماذا يريد السودان من سد إثيوبيا الذي أصبح محورًا للجدل في المنطقة؟ يطالب السودان إثيوبيا بالالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمياه المشتركة، ويشدد على ضرورة الإخطار المسبق قبل بناء أي سد على الأنهار المشتركة، مما يضمن حقوقه المائية. كما تطالب الخرطوم بوساطة رباعية تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة قبل الشروع في عملية الملء الثانية للسد. ويشدد السودان على ضرورة أن توقع أديس أبابا اتفاقية ملزمة قانونيًا، وليس مجرد مبادئ توجيهية عامة، تحدد بوضوح كميات المياه المحتجزة والجدول الزمني للملء، بالإضافة إلى آلية لحل النزاعات المستقبلية.ومن جانبهم، يرى بعض الخبراء السودانيين أن سد النهضة قد يعود بفوائد عديدة على السودان، أبرزها تنظيم تدفق نهر النيل الأزرق على مدار العام، مما يسهل تعدد الدورات الزراعية ويقلل من مخاطر الفيضانات المدمرة. كما يمكن للسد أن يحتجز كميات كبيرة من الطمي والأشجار المائية التي تعيق تشغيل التوربينات في خزانيْن رئيسيين في الشرق. لكن في المقابل، يحذر خبراء آخرون من أن الخفض الكبير في كميات الطمي قد يؤدي إلى إفقار التربة الخصبة، مما يهدد قدرة السودان على تحقيق أمنه الغذائي وتحقيق رؤيته بأن يصبح سلة غذاء العالم، خاصة في ظل المخاوف من تأثير تقاسم الأضرار الناجمة عن السد مع مصر.
تحول الموقف السوداني نحو التوافق
في الأشهر الأخيرة، شهدت الخرطوم تحولًا لافتًا في موقفها بشأن سد إثيوبيا، حيث اقتربت أكثر من الموقف المصري الداعي لتوقيع اتفاق ملزم مع أديس أبابا قبل بدء ملء السد. وقد أثيرت مخاوف حول تأثير انخفاض منسوب مياه النيل على السودان أكثر من مصر، التي تمتلك احتياطيًا كبيرًا حول سد أسوان.يبرز هذا التغيير من خلال تصريحات وزير الموارد المائية السوداني، ياسر عباس، الذي أشاد سابقًا بإيجابيات السد، ثم عاد ليؤكد على تهديده للأمن القومي السوداني. كما صرحت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي بأن الملء الثاني للسد بدون اتفاق قانوني يُشكل خطرًا حقيقيًا. يأتي هذا التحول في موقف السودان نتيجة للخلافات السياسية السابقة مع مصر، وتوتر العلاقات مع إثيوبيا حول منطقة "الفشقة" الحدودية، مما دفع الخرطوم لتوحيد جهودها مع القاهرة، في إطار مناورات عسكرية مشتركة.
هل تظل مصر هبة النيل بعد سد اثيوبيا؟
مع بدء تشغيل سد إثيوبيا، تزداد مخاوف مصر بشأن حصتها المائية التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب. تسعى القاهرة للحفاظ على تدفق مياه النيل، وتخشى من تداعيات سلبية مثل تراجع المساحات الزراعية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وزيادة ملوحة الأراضي نتيجة تداخل مياه البحر. كما يؤثر هذا الوضع على الصحة العامة والبيئة، مما يزيد من تفشي الأمراض.لمواجهة هذه التحديات، ترغب مصر في تمديد فترة ملء السد إلى ما بين 10 و21 سنة، مع الأخذ في الاعتبار سنوات الجفاف. ترفض تقليص حصتها المائية إلى أقل من 40 مليار متر مكعب سنويًا، وتصر على أن يتم التخزين فقط خلال موسم الأمطار، مع زيادة فتحات تمرير المياه داخل السد لضمان تدفق مستدام.خلال المفاوضات الأخيرة، تمسكت مصر بضرورة توقيع "اتفاق متوازن وملزم" بشأن تشغيل السد، مطالبة بتدخل المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لضمان حقوقها المائية. تعتمد مصر بشكل كبير على مياه نهر النيل، مما يجعل مستقبلها مرتبطًا بشكل وثيق بتطورات هذه الأزمة.
تعرف أيضا: عملية بحرية غامضة في البترون.. اختطاف قبطان لبناني على يد قوة خاصة إسرائيلية