في الوقت الذي ينشغل العالم بتفاصيل الحرب الروسية الأوكرانية وتطورات الشرق الأوسط، يبدو أن منطقة الكاريبي ترتفع فيها التوترات بشكل أكبر من المتوقع، حيث كشف دينيس كوركودينوف، المدير العام للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ "DIIPETES"، لوكالة ستيب نيوز أن "واشنطن وكاراكاس على حافة خطيرة من مواجهة مسلحة يمكن أن تزعزع استقرار أمريكا اللاتينية بأكملها وتؤثر على المصالح العالمية للصين وروسيا خلال ساعات ليس بعيدة".
وجاءت هذه التقديرات في وقت وصلت فيه التوترات في البحر الكاريبي إلى نقطة تحول خطيرة مع نشر الولايات المتحدة قوة عسكرية متقدمة على مقربة من السواحل الفنزويلية، ورد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بنشر 4.5 ملايين عنصر لمواجهة التهديدات.
قوة بحرية أميركية ضاغطة
دفعت واشنطن بثلاث مدمرات من طراز "إيجيس" (يو إس إس جرايفلي، يو إس إس جيسون دونام، ويو إس إس سامبسون) إلى المنطقة، ترافقها طائرة استطلاع P-8 وغواصة هجومية، إضافة إلى مجموعة هجوم كبيرة تضم نحو 4000 بحار ومارينز.
ويقول كوركودينوف: "بررت الإدارة الأميركية هذه التحركات بأنها جزء من "عملية مكافحة كارتيلات المخدرات" التي أدرجت على قائمة الإرهاب في فبراير/شباط 2025، غير أن مصادر استخباراتية أشارت إلى أن الأهداف الحقيقية أوسع وتشمل الضغط المباشر على نظام نيكولاس مادورو مع إمكانية إزالته من الحكم".
تزامناً، رفعت القوات المسلحة الفنزويلية من جاهزيتها القتالية، وحشدت قواتها في عموم البلاد.
ويضيف كوركودينوف: "بحسب بيانات المراقبة الفضائية التي استندت إليها وزارة الدفاع الأميركية، تعمل كاراكاس على نشر أسطولها، بما فيه غواصات الديزل وزوارق الصواريخ، لحماية مياهها الإقليمية".
ويتابع: "كما قدرت أجهزة الاستخبارات الفنزويلية أن احتمال وقوع حادث عسكري خلال 48 ساعة مرتفع للغاية، خصوصاً مع ورود معلومات عن خطط أميركية لتنفيذ ضربات دقيقة في محيط فنزويلا".
وتعد مدمرات "إيجيس" سلاحاً مركزياً في الترسانة البحرية للبنتاغون، ودخلت الخدمة عام 1983.
وتستطيع هذه السفن تنفيذ مهام الدفاع الجوي والبحري، إلى جانب مكافحة الغواصات، كما يمكنها اعتراض الصواريخ والطائرات وتتبع أكثر من 100 هدف في آن واحد، فضلاً عن استخدامها صواريخ من طراز "توماهوك"، وفقاُ لموقع "ميليتاري".
اتهامات أميركية ومكافآت ضخمة
واشنطن صعّدت خطابها ضد مادورو، إذ وصف المدعي العام الأميركي بام بوندي الرئيس الفنزويلي بأنه "تاجر مخدرات وإرهابي".
وحول ذلك يقول الخبير: "رفعت وزارة الخارجية الأميركية المكافأة مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه إلى 50 مليون دولار. هذه الخطوات جزء من استراتيجية لتفويض النظام وتهيئة المسرح لاستخدام القوة".
ورغم الغطاء المعلن بمحاربة المخدرات، يشير الخبير إلى أن "النفط هو السبب الحقيقي للتصعيد".
ويقول: "قبل العقوبات الأميركية، كانت فنزويلا مورداً رئيسياً للخام إلى الولايات المتحدة، قبل أن تتحول الصين والهند إلى المشترين الأكبر". ويرى كوركودينوف أن العملية العسكرية المحتملة "قد تكون محاولة لتغيير المشهد الجيو اقتصادي لصالح واشنطن وإضعاف نفوذ بكين في المنطقة".
وتمتلك فنزويلا بعضاً من أكبر احتياطات النفط في العالم، وكانت دائما في صلب السياسة الخارجية الأميركية.
وترى واشنطن أن فنزويلا لاعب رئيسي في استقرار المنطقة، إذ إن الأزمات السياسية والاقتصادية التي عاشتها البلاد في عهد مادورو حفزت موجات هجرة جماعية عبر أمريكا اللاتينية
تعبئة شعبية ورسائل تهديد
مادورو بدوره أعلن تعبئة أكثر من 4.5 مليون من عناصر الميليشيات الشعبية "لحماية سيادة البلاد"، مؤكداً أن فنزويلا لن تتردد في الدفاع عن نفسها. أما وزير الخارجية إيفان هيل بينتو فاعتبر التصرفات الأميركية "تهديداً للسلام والاستقرار الإقليمي".
ويؤكد كوركودينوف أن جهود كاراكاس تتركزعلى حماية المنشآت الاستراتيجية من حقول النفط والموانئ إلى البنى التحتية العسكرية.
دعم الحلفاء وتوازنات إقليمية
على الصعيد الدولي، عبرت الصين عن "قلقها العميق" ودعت إلى تسوية سلمية، فيما يُحتمل أن تقدم إيران دعماً عسكرياً محدوداً عبر تزويد فنزويلا بصواريخ مضادة للسفن، وفق كوركودينوف.
ويقول: "أما كوبا، الحليف التاريخي، فقد تلجأ إلى إرسال مستشارين عسكريين كما في أزمات سابقة. في المقابل، تبدي كولومبيا موقفاً مزدوجاً، إذ سمحت لطائرات الاستطلاع الأميركية باستخدام أجوائها، بينما دعا رئيسها غوستافو بترو إلى الحوار. أما البرازيل بقيادة لولا دا سيلفا، فتطرح نفسها وسيطاً خشية امتداد الفوضى إلى منطقة الأمازون".
ويشير الخبير إلى أن البنتاغون يحدد عدة سيناريوهات قد تشعل شرارة الحرب، أبرزها "حادث عسكري غير مقصود" بين سفن أو طائرات الجانبين. ويستبعد غزواً برياً واسعاً بسبب كلفة العمليات وتشابك الملفات من أوكرانيا إلى الصين، مرجحاً اعتماد واشنطن على "ضربات جوية محدودة، وعمليات إلكترونية، ودعم المعارضة الداخلية".
ساعة الحقيقة
يرى كوركودينوف أنه مع تركّز القوات على جانبي البحر الكاريبي، تبدو الساعات الثمانية والأربعون المقبلة حاسمة. وإذا ما اختارت واشنطن ضرب أهداف فنزويلية تحت ذريعة "مكافحة المخدرات"، فإن خطر التصعيد الإقليمي يصبح وشيكاً. ويخلص إلى أن "أي مواجهة، حتى وإن بدت محدودة، قد تفتح الباب أمام صراع جيوسياسي أوسع يشمل منافسين دوليين مثل الصين وروسيا، ما يجعل الكاريبي مرشحاً ليكون ساحة اختبار جديدة للتوازنات العالمية".
[caption id="attachment_651189" align="alignnone" width="2405"]
48 ساعة حاسمة على أبواب الكاريبي.. أمريكا أرسلت السفن والغواصات وفنزويلا حشدت الجيش[/caption]
https://youtu.be/6oq9L9U_FMU?si=TzeFbOGxKDqhmriz
