بيتكوين: 114,680.62 الدولار/ليرة تركية: 40.98 الدولار/ليرة سورية: 12,887.20 الدولار/دينار جزائري: 129.91 الدولار/جنيه مصري: 48.49 الدولار/ريال سعودي: 3.75
قصص الأخبار
سوريا
سوريا
مصر
مصر
ليبيا
ليبيا
لبنان
لبنان
قطر
قطر
المغرب
المغرب
الكويت
الكويت
العراق
العراق
السودان
السودان
الاردن
الاردن
السعودية
السعودية
الجزائر
الجزائر
الامارات
الامارات
تحقيقات ستيب

ملف السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.. كيف تحوّل لورقة سياسية وما المطلوب لحلّه؟

ملف السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.. كيف تحوّل لورقة سياسية وما المطلوب لحلّه؟
في لحظةٍ يتقاطع فيها الانهيار القضائي والمالي في لبنان مع أزماته السياسية غير المنقطعة، يعود ملف السجناء السوريين في سجن رومية إلى واجهة الجدل، محمّلاً بتشابكات قانونية وحقوقية وسياسية، بعد الإعلان مؤخراً عن وفاة أحدهم. وحسب خبراء وتقارير حقوقية رسمت الأرقام والشهادات صورة خانقة: "اكتظاظ يتخطّى الطاقة الاستيعابية بعدة أضعاف، وارتفاع ملحوظ في الوفيات داخل أماكن الاحتجاز، وانتقادات مزمنة للمحاكمات أمام القضاء العسكري حين تطال مدنيين". فلماذا تأخر حل القضية بين سوريا ولبنان رغم الحديث عنها بين حكومتي البلدين مؤخراً، وهل من دوافع سياسية وراء ذلك؟ وما الطرق القانونية لمتابعة هذا الملف؟  

سياق أزمة متفاقمة

  تشير تقارير حقوقية دولية إلى أنّ ظروف الاحتجاز في السجون اللبنانية بلغت مستويات "مروّعة" على وقع الانهيار الاقتصادي في لبنان، مع تسجيل زيادة حادة في الوفيات عام 2022 مقارنة بعام 2018، وهو ما عدّته منظمة العفو الدولية "جرس إنذار" للسلطات، فيما وثّقت هيومن رايتس ووتش تدهوراً عاماً في المعايير الصحية والغذائية داخل السجون، وفي مقدمتها رومية أكبر السجون اللبنانية.   وعلى صعيد الأرقام، تورد منصّات توثيق متخصصة أنّ السوريين يشكّلون نسبة معتبرة من نزلاء السجون في لبنان، وأنّ القدرة الاستيعابية للنظام السجني—ورومية تحديداً—تعرّضت لانفجارٍ مزمن، حيث أن سجناً طاقته التقريبية نحو 1,050 نزيلاً، لكنه استضاف في فترات ذروة ما يناهز أربعة آلاف، في مشهدٍ "مُهدِّد للحياة"، بحسب توصيفات سابقة اعتمدتها تقارير دولية. كما تُقدّر جهات حقوقية سورية عدد الموقوفين أو المحكومين السوريين في السجون اللبنانية بنحو 2,000 شخص حتى مطلع 2025، بينهم مئات لم ينالوا محاكمات عادلة أو ما يزالون رهن المحاكمة.   التوتر داخل رومية انفجر مراراً خلال 2024 و2025، إذ شهد السجن احتجاجات واسعة وضغوطاً على البرلمان لسنّ عفوٍ عام وتخفيض "سنة السجن" من تسعة أشهر إلى ستة، في محاولة لتخفيف الاكتظاظ وتداعياته. بالتوازي، طُرحت مبادرات حكومية لتشكيل لجان تفتيش مشتركة وتعزيز الإشراف القضائي والصحي. بينما وجّه السجناء السوريون في سجن رومية عشرات الرسائل إلى الحكومة السورية بعد سقوط نظام الأسد لحل هذا الملف مع نظيرتها اللبنانية، لا سيما ان معظم التهم الموجهة غليهم كانت تتعلق بانتسابهم لفصائل وجماعات قاتلت النظام السوري البائد، وباتت اليوم تتسلّم الحكم في سوريا.  

"تسييس العدالة"

قبل يومين تسببت وفاة سجين سوري في سجن روميه المركزي بلبنان في حالة غضب لدى السجناء الذين عمدوا إلى خلع أبواب بعض الزنازين، وتحطيم زجاج النوافذ، وسرعان ما احتوت القوى الأمنية المولجة حماية السجن غضبهم، ونجحت في السيطرة على الوضع سريعاً. وأكدت مصادر لبنانية وفاة السجين السوري أسامة الجاعور، جرّاء معاناته من المرض، داخل زنزانته في سجن روميه المركزي حيث كان يقضي عقوبة السجن المؤبد التي حكم عليه بها إثر مشاركته في معارك مدينة القصير ضدّ قوات النظام السوري السابق ومقاتلي "حزب الله"، واتهامه بـ"الانتماء إلى تنظيم إرهابي".   وفي حديث مع وكالة ستيب نيوز، يرى الصحفي والكاتب اللبناني خالد زين الدين أنّ أزمة سجن رومية هي مرآة لأزمة أعمق في العدالة بلبنان، إذ يقول: "معظم السجناء لم يُعرضوا على القضاء المختص، ومن عُرضت قضاياهم كانت محاكماتهم شكلية". مضيفاً أنّ "كثيراً من القضاة خاضعون للتسييس والتوجيه الطائفي، في حين أنّ القضاة الشرفاء مغيّبون بفعل ضغوطات وإملاءات سياسية وطائفية".   ويُشدّد زين الدين على مبدأ تجريم الفعل لا هوية الفاعل، ويتابع: "المجرم يجب أن يُحاكم، سواء كان قاتلاً أو إرهابياً أو متورطاً في جرائم أخرى، بصرف النظر عن جنسيته أو انتمائه". غير أنّ ما يراه "غياب العدالة" جعل القرارات القضائية "رهينة بيد القوى الروحية والسياسية"، فتحوّل شعار "العدالة أساس الملك"—بحسب تعبيره—إلى غطاءٍ لـ"تحويل القضاء إلى أداة على مقاس الطوائف والزعامات".   ومن زاوية "تسييس" الملف السوري في سجن رومية، يذهب زين الدين إلى أنّ "ملف تسليم السجناء للجانب السوري جرى تحويله إلى ورقة سياسية للمساومة"، تُستخدم خارجياً "لتحقيق مكاسب مع دمشق" وداخلياً "لكسب أوراق تفاوضية في ملفات" تمتد من مكافحة الكبتاغون إلى شبكات العمالة والإرهاب وقانون العفو العام.  

القضاء العسكري ومحاكمة المدنيين

  ينتقد زين الدين أيضاً توسّع صلاحيات المحكمة العسكرية في لبنان، ويقول: "تحوّلت في لبنان—البلد الوحيد في العالم—إلى محكمة لمحاكمة المدنيين، وأصبحت أداة للرضوخ والإذلال وإسكات الأصوات المعارضة"، داعياً إلى حصرها بالعسكريين أو إغلاقها. وهذا الموقف يجد سنداً في تقارير حقوقية طالبت منذ سنوات بوقف إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري في البلاد، معتبرةً ذلك انتهاكاً لضمانات المحاكمة العادلة.   وبمفردات قاسية، يصف زين الدين سجن رومية بأنّه "مقبرة على وجه الأرض" تفتقد "ماء وصحة وتعليم وتربية"، وأنه "معسكر لإنتاج المزيد من التطرف والإرهاب وتجارة المخدرات". ويقول: "الضباط… جمعوا ثروات طائلة بدعم سياسي، فيما تحكم المافيات والموقوفون النافذون السجن من الداخل، وصولاً إلى تأجير الأسرّة».  

المسارات القانونية: بين التسليم وإعادة المحاكمة

  على الضفة القانونية، يضع المحامي بسام طبلية، خلال حديث مع وكالة ستيب نيوز، إطاراً عملياً للتعامل مع ملف السوريين في رومية بالاستناد إلى المعاهدات القضائية الثنائية بين لبنان وسوريا الخاصة بتسليم المطلوبين. ويعرض مسارين قائلاً: "التقدّم بطلبٍ رسمي لتسليم هؤلاء السجناء وإعادتهم إلى سوريا لإعادة محاكمتهم والوقوف على حقيقة الاتهامات، ولا سيما أنّ العديد من هذه المحاكمات جرت تحت ضغوط سياسية من النظام السوري السابق وحزب الله، ما يجعلها أقرب إلى محاكمات سياسية".   ويضيف: "المسار الثاني هو الاتفاق مع الحكومة اللبنانية على أن تتولّى الدولة السورية محاكمة هؤلاء المتهمين بجرائم الإرهاب أو الدخول غير المشروع، مع اعتبار أنّ أغلب هذه القضايا ذات خلفيات سياسية".   وحيال مَن صدرت بحقهم أحكام، يوضح طبلية إمكان "استكمال محكوميتهم داخل سوريا" إذا وُجد اتفاق نافذ يسمح بنقل المحكومين، أو اللجوء إلى "الطعن أمام محكمة النقض" لكون تلك المحاكمات "صورية ولم تلتزم بالمعايير القانونية". كما يلفت إلى أنّ "بعض المعاهدات المشتركة تتيح للمحامي السوري الترافع في لبنان والعكس، بما يفتح الباب لإعادة فحص الأدلة، خاصة تلك التي انتُزعت تحت التعذيب، والمطالبة بإعادة المحاكمة".   في المقابل، تُظهر متابعة المسار الدبلوماسي–التشريعي أنّ لبنان وسوريا يرتبطان باتفاقات تسليم للمطلوبين، لكن لا اتفاقاً مُفعّلاً لنقل المحكومين/المُدانين، وهو ما يجمد عملياً فكرة إكمال المحكومية في بلدٍ آخر، ما لم يُوقَّع إطارٌ جديد يُقرّه البرلمان اللبناني. ويتمتع لبنان بولاية قضائية حصرية على الجرائم المرتكبة على أراضيه، وفق المادة 15 من قانون العقوبات، بينما تقيد المواد 31 و32 حالات التسليم إلى الخارج بشروط مشددة.   ولا يلزم اتفاق 1951 بين لبنان وسوريا أياً من الطرفين بتسليم متهمين في قضايا تمسّ أمن الدولة أو سيادتها، ما يعزز استقلالية القرار القضائي اللبناني. لكنه يترك مصير الموقوفين السوريين معلقاً في الفراغ القانوني والسياسي.  

المسؤولية والدولة الضامنة

  يُحمّل طبلية الدولة اللبنانية مسؤوليةً مباشرة عن سلامة النزلاء وضمان عدالة محاكماتهم، ويقول: "كان يتوجب عليها ضمان عدالة المحاكمات والتأكد من أنها لم تُجرَ تحت التعذيب". ويضيف: أنّ "حالات وفاة بين السجناء تؤكد الحق في المطالبة بالتعويض عن التعذيب وسوء الرعاية الصحية وتسييس المحاكمات". وهذا ينسجم مع ما أشارت إليه تقارير دولية حول تضاعف وفيات الاحتجاز بعد الأزمة ووجوب التحقيق والمساءلة والتعويض للضحايا وذويهم.   وفي شهر مايو الفائت أوضح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أنه التقى رئيس الحكومة اللبنانية (دون تحديد مكان اللقاء) وناقش معه سبل تسريع معالجة أوضاع السوريين الموقوفين في سجن رومية. وأشار إلى أنهما توصلا إلى اتفاق على "خطوات عملية" بهذا الخصوص، لكن بعد ذلك لم يحدث أي تطور يذكر بالأمر، وبقي الملف طي الكتمان.    

بين الرؤية السياسية والخيارات القانونية

  يلتقي الخبيران على توصيف أزمة العدالة، وإن اختلف زاوية النظر، حيث يُضيء زين الدين على "تطييف" القضاء وتسييسه واستخدام المحكمة العسكرية لقمع المعارضين، ويراها سبباً بنيوياً في كارثة رومية، ويقول: "السجن أشبه بـ"سوبر ماركت" أو "سوق شعبي" متاحٍ فيه كل شيء لمن يملك القوة والمال، بينما الفقير لا نصيب له سوى الموت". بل يذهب إلى مقارناتٍ صادمة ويتابع: "زنزانات سجن رومية أشدُّ قسوة من سجون إسرائيل وأبو غريب"، ويضيف: "العدالة لن تتحقق ما لم يتولَّ المسؤولية رجال يملكون الحكمة والانتماء الوطني الحقيقي"، بل ويقترح ضغطاً سورياً معاكساً: "إيفاد وفدٍ أمني وقضائي، أو إغلاق الحدود أمام لبنان ومنع عبور الترانزيت، وصولاً إلى قطع العلاقات".   في المقابل، يقدّم طبلية خريطة طريق قانونية مشروطة بإرادة سياسية واتفاقات نافذة: "طلبات تسليم، إعادة محاكمة، نقل محكومين، طعون أمام النقض، وتمكين الدفاع المشترك عبر السماح بترافع المحامين عبر الحدود وفق المعاهدات". غير أنّ تفعيل هذه المسارات يتطلب إطاراً قضائياً ثنائياً محدثاً يحدد نقل المحكومين وآليات الضمانات، وهو ما تشير تقارير إلى أنّه غير قائمٍ حتى الآن بصيغته المطلوبة.  

ضرورة مقاربة مزدوجة

  إذا كان سجن رومية عنواناً للانهيار القضائي–الخدمي، فإنّ ملف السجناء السوريين فيه يتجاوز الجدل الشعبوي إلى أسئلة الشرعية والاختصاص والضمانات: من يحاكم؟ أين؟ وبأي معايير؟ وإنّ تقييد إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، وتعزيز رقابة قضائية–صحية مستقلة داخل السجون، وتوقيع اتفاق نقل محكومين متوازن مع دمشق يتضمن التزاماتٍ صريحة بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وكلها مسارات يمكن أن تُنقذ حياة أشخاصٍ وتُعيد ثقةً مفقودةً بالعدالة.   وبينما يطالب زين الدين بأن "يكون سجن رومية أولاً للزعماء والمافيات قبل غيرهم"، متهماً المنظومة بتحويله إلى "مصنع لتجهيز السجين ليصبح أكثر خطراً على لبنان"، يدفع طبلية نحو مخارج قضائية عملية تُعالج جذور الاختلال: "إعادة المحاكمات حيث لزم، التحقيق في مزاعم التعذيب، التعويض للضحايا، وتحرير الملف من الاستثمار السياسي". [caption id="attachment_650666" align="alignnone" width="2405"]ملف السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.. كيف تحوّل لورقة سياسية وما المطلوب لحلّه؟ ملف السجناء السوريين في سجن رومية اللبناني.. كيف تحوّل لورقة سياسية وما المطلوب لحلّه؟[/caption]   https://youtu.be/9fQ3Hssvk_A?si=g8e2vWw2dF0QzN50
المقال التالي المقال السابق
0